صفقة إف-35.. التكتيكات الأمريكية تدفع الإمارات أكثر إلى الصين

صفقة إف-35.. التكتيكات الأمريكية تدفع الإمارات أكثر إلى الصين

تم توجيه ضربة كبيرة لمكانة الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الأوسط من قبل الإمارات التي قررت تعليق المناقشات مع واشنطن بشأن صفقة مقاتلات "إف-35". وجاء هذا القرار على خلفية بعض الجهود الأمريكية لثني الإمارات عن اكتساب خبرة 5G الصينية. وقد بذلت الولايات المتحدة كل ما في وسعها لإجبار أبوظبي على التضحية بعلاقاتها مع الصين لكن الإمارات قررت إدارة ظهرها لواشنطن وتركتها في مأزق. 

وقبل شهر، أبرمت أبوظبي صفقة مع فرنسا لشراء 80 طائرة مقاتلة من طراز "رافال"، في ضربة كبيرة للتكتيكات الأمريكية المتمثلة في استخدام مبيعاتها العسكرية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. ووفقًا لسفير المملكة المتحدة السابق في سوريا "بيتر فورد"، فإن لدى الإمارات أسبابًا وجيهة للانسحاب من الصفقة بسبب المطالب الأمريكية "المتعجرفة".

الإمارات تميل للصين

بالرغم أن المسؤولين الأمريكيين يواصلون التأكيد على أن العلاقات الأمريكية مع الإمارات متينة للغاية، إلا أن التقارير توضح أن رفض الإمارات الانضمام للحملة الأمريكية المناهضة للصين ساهمت بشكل مباشر في زيادة التوترات وتفاقم الأزمة الحالية.

ووفقًا لتقرير البنتاجون لعام 2020 حول توسع الوجود العسكري الصيني في الشرق الأوسط، فإن الإمارات من بين الدول التي تفكر فيها بكين وتخطط لإنشاء مرافق لوجستية عسكرية فيها لدعم القوات البحرية والجوية والبرية.

وقال التقرير أيضًا إن التوسع في تكنولوجيا الجيل الخامس الصينية في الإمارات وغيرها من الدول، سيساعد أيضًا في ترسيخ بكين لنفسها كرائدة عالمية في نحو 10 صناعات مختلفة يرتبط بعضها مباشرة بالدفاع.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن منع صعود الصين أصبح أولوية كبرى، وهي مهمة تأمل واشنطن في تحقيقها من خلال إقناع أو إجبار أصدقائها بما في ذلك الإمارات.

وزادت التوترات بين واشنطن وأبوظبي عندما ذكرت وكالات الاستخبارات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن الصين كانت تبني سرا منشأة عسكرية في ميناء في الإمارات، مما دفع إدارة "بايدن" لـ"إرسال تحذير" للمسؤولين الإماراتيين بأن الوجود العسكري الصيني في الإمارات يمكن أن يضر بشكل دائم بالعلاقات بين الولايات المتحدة والإمارات.

ولكن من الواضح أن الإمارات لم ترضخ، مما يظهر حدود الضغط الذي يمكن أن تمارسه الولايات المتحدة. وبالنسبة للإمارات، تعتبر الصين حليفًا أكثر أهمية من واشنطن، على الأقل في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية.

وقال دبلوماسي صيني رفيع المستوى لوكالة أنباء الإمارات (وام) إن التجارة الثنائية بين الصين والإمارات تغلبت على تداعيات الوباء. كما كشف السفير الصيني لدى الإمارات "ني جيان" أن التجارة الثنائية خلال الأشهر الـ9 الأولى من عام 2021 تجاوزت 49 مليار دولار، بزيادة قدرها 38.1% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

وأشار السفير الصيني إلى أن ذلك جاء في ظل تطوير أكثر من 6 آلاف شركة صينية أعمالها التجارية في الإمارات، خاصة في مجالات الطاقة والموانئ والبنية التحتية والاتصالات والتمويل.

ومقارنة بالتجارة بين الإمارات والصين، فإن التجارة بين الولايات المتحدة والإمارات بلغت 17.8 مليار دولار فقط في عام 2020.

مخاوف الولايات المتحدة

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الإمارات تتحول إلى "أرض صينية" بشكل متزايد؛ لذلك فإن إعطاء الإمارات طائرات "إف-35" بدون قيود كافية قد يسمح للصين بـ "سرقة" التكنولوجيا الأمريكية.

وتضاعفت أهمية "حماية" التكنولوجيا الأمريكية في أعقاب الاهتمام الأمريكي المتزايد ببناء تحالف عالمي ضد الصين لتقييد قدرتها على التطور إلى قوة عظمى قادرة على إقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. لكن الإمارات لم تظهر أي اهتمام بمواجهة الصين، وقد أوضحت ذلك عبر الرسالة التي أرسلتها للولايات المتحدة.

ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام الغربية، أبلغت أبوظبي المسؤولين الأمريكيين نيتها وقف الصفقة لأن "أبوظبي تعتقد أن المتطلبات الأمنية التي وضعتها الولايات المتحدة لحماية الأسلحة عالية التقنية من التجسس الصيني كانت مرهقة للغاية"، وشدد المسؤولون على أن هذه المتطلبات تهدد السيادة الوطنية بطرق لا تقبلها الإمارات.

ويعني قرار الإمارات بإلغاء صفقة "إف-35" وتبني تقنية الجيل الخامس من "هواوي" أن تأثير هذا القرار يمكن أن ينتقل إلى دول أخرى تواجه حاليًا ضغوطًا مماثلة من الولايات المتحدة لوقف علاقاتها مع بكين.

حيلة أمريكية للهيمنة

ومما يدفع الدول لاتخاذ خطوات مماثلة للإمارات أن الحقيقة باتت معروفة فالولايات المتحدة لا تعارض شبكة الجيل الخامس من "هواوي" لأسباب أمنية، ولكنها حيلة أمريكية للحفاظ على هيمنتها في مجال التكنولوجيا. وفي حين أن الصين أصبحت بالفعل قوة عظمى في قطاع التصنيع، فإن قدرتها على قيادة الابتكار التكنولوجي يمكن أن تطيح بالولايات المتحدة.

ويبدو أن إدارة "بايدن" تستخدم مسألة الجيل الخامس فقط لدحر الصين عن الإمارات حيث أن الاتفاقية الأصلية بين الولايات المتحدة والإمارات والتي وافقت عليها إدارة "ترامب" في أيامها الأخيرة لم تتضمن أي بند يتعلق بالصين أو "هواوي" أو استخدام الإمارات لتقنية الجيل الخامس.

وأدى قيام إدارة "بايدن" بجمع هاتين المسألتين غير المرتبطين معًا إلى نتائج عكسية حيث تمسكت الإمارات بموقفها أكثر.

وبينما تريد الولايات المتحدة احتواء الصين، فإن ما يحدث هو عكس الاحتواء، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة تستنزف خياراتها في الشرق الأوسط وخارجه.

الكاتب