معادلة حساسة.. الإمارات توازن بدقة بين إسرائيل وإيران
في 12 ديسمبر/كانون الأول، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي "نفتالي بينيت" الإمارات في أول زيارة رسمية لرئيس وزراء إسرائيلي إلى أبوظبي. وبالرغم أن وسائل الإعلام في كلا البلدين شددت على الأهمية الاقتصادية لزيارة "بينيت"، فإن رفضه زيارة دبي العاصمة التجارية للبلاد والتي تستضيف حاليا معرض "إكسبو 2020"، يدل على أن المخاوف المتعلقة بالأمن الإقليمي كانت الدافع الأساسي خلف زيارته المتعجلة إلى أبوظبي.
وكان هناك حدث مهم طغى على زيارة "بينيت" وهو المفاوضات الجارية في فيينا بين إيران وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين، بعد 3 سنوات من انسحاب "ترامب" من خطة العمل الشاملة المشتركة.
بين إسرائيل وإيران
وإلى جانب علاقات الإمارات مع إسرائيل، أظهرت قيادة الإمارات أيضا مبادرات تجاه إيران حيث زار مستشار الأمن القومي الإماراتي "طحنون بن زايد" طهران. كما زار كبار المفاوضين النوويين الإيرانيين المسؤولين الإماراتيين في دبي. وقد جرى كل ذلك في غضون أسبوعين.
ويشير توقيت زيارة "بينيت" إلى تقديمه المخاوف الأمنية على التعاون الاقتصادي أو الثقافي في زيارته الأولى إلى الإمارات. وبالرغم أن ملف إيران تحديدا استحوذ على أجندة زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلا أنه لا يمكن التقليل من المعنى الرمزي للزيارة. فقد جاءت رحلة "بنيت" إلى أبوظبي بعد عدة أشهر من الذكرى السنوية الأولى لاتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل.
وشهدت هذه السنة إجراءات لتعزيز العلاقة بين البلدين؛ فقد فتح كل طرف سفارة في عاصمة الطرف الآخر، ونمت التجارة الثنائية بين البلدين من كونها صفرًا "نظريا" قبل الاتفاق إلى 700 مليون دولار.
وتدحض العلاقات العميقة بين البلدين فكرة أن التطبيع كان يهدف ببساطة إلى تحسين فرص "ترامب" و"نتنياهو" في إعادة انتخابهم. وتشير زيارة "بينيت"إلى أن الدولتين لديهما رغبة أصيلة في التعاون تتجاوز الوهج السياسي الأوّلي لاتفاق التطبيع.
موازنة دقيقة
تتخذ الإمارات موقفًا أكثر دقة فيما يتعلق إيران، ففي حين أن أبوظبي لا ترغب في امتلاك إيران لقدرات نووية، فإنها لا تريد أيضا مواجهة مباشرة بين الغرب وإيران خوفا من الأضرار المحتملة التي سيتسبب فيها مثل هذا الصراع على الأمن القومي للإمارات.
وعندما أطلقت إيران العديد من الصواريخ على القواعد التي تستضيف القوات الأمريكية في عام 2020 ردا على الهجوم الأمريكي الذي قتل قائد فيلق القدس السابق "قاسم سليماني"، هددت طهران بقصف دبي إذا ردت الولايات المتحدة على هذه الهجمات. وقد أثار هذا التهديد قلقا خطيرا في الإمارات.
وبالرغم من دعم أبوظبي الضمني للخطاب المتشدد الذي تتبناه الرياض وواشنطن، فإن إيران والإمارات تتشاركان علاقات اقتصادية كبيرة.
واستثمرت إيران حوالي 200 مليار دولار في الإمارات بحلول عام 2015، وكان حجم التجارة بين البلدين نحو 12 مليار دولار قبل تجديد العقوبات الأمريكية في عام 2018، كما أن دبي موطن للعديد من الشركات الإيرانية، وإن كان ذلك مع قيود أكثر تشددا على أصحاب العلاقات مع مسؤولي النظام الإيراني.
وفي وقت مبكر من عام 2021، ذكرت وكالات الأنباء أن الولايات المتحدة تعتزم إرسال وفد رفيع إلى الإمارات من أجل تحذير البنوك والكيانات التي تقوم بأعمال تجارية مع إيران من مخاطر انتهاك العقوبات الأمريكية.
ومع وجود مثل هذه العلاقات الاقتصادية والديموغرافية والجغرافية العميقة، فلا يمكن أن تكون الإمارات متلهفة مثل إسرائيل أو الولايات المتحدة للسعي نحو العمل العسكري ضد إيران.
ومع أن الإمارات أشارت إلى رغبتها في علاقات أفضل مع إيران، فإن الاجتماع مع قادة إسرائيل ورغبتها في بناء علاقات عميقة معهم يمكن اعتباره جزءًا من موقفها المتردد تجاه المفاوضات النووية.
إمكانية التوسط
عقد الاجتماع بين الإمارات وإسرائيل بعد سلسلة من الاجتماعات الدبلوماسية بين الإمارات والقوى الإقليمية الأخرى، حيث وقعت في الوقت ذاته تقريبًا سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى في المنطقة شملت زيارة "محمد بن زايد" لتركيا، وزيارة مستشار الأمن القومي للإمارات إلى إيران، بالإضافة إلى زيارة الحاكم الفعلي للسعودية ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" لدول الخليج الأخرى - بما في ذلك الإمارات - وزيارة الرئيس الفرنسي "ماكرون" للإمارات وقطر والسعودية.
وبالرغم أن العديد من هذه الاجتماعات كانت تتعلق بالعلاقات الثنائية والتعاون، إلا أن معظمها تناول التطورات الإقليمية مثل الاتفاق النووي الإيراني. وتضمنت أجندة "ماكرون" في جولته الخليجية مناقشة مواقف دول الخليج تجاه المفاوضات النووية مع إيران.
وبما أن الإماراتيين تمكنوا من لقاء معظم القوى الإقليمية في الأشهر الأخيرة، فقد أدركوا أيضا الخطوط الحمراء والتوقعات لدى كل منها فيما يتعلق بإيران. ويبدو أن مساعي أبوظبي لتطبيع علاقاتها مع القوى الإقليمية يهدف إلى إعادة بناء الصورة الذهنية عنها حتى تتمكن من لعب دور الوسيط في الخلافات الإقليمية. وباعتبارها صديقة صريحة لإسرائيل في الخليج، يمكن للإمارات التفاوض بين إسرائيل وإيران خلف الأبواب المغلقة.
أبوظبي عالقة في المنتصف
بالرغم من الاستقبال الدافئ لـ"بينيت" من قبل ولي عهد أبوظبي والمسؤولين الرفيعين في أبوظبي، فلا أحد يعرف ما إذا كان "بينيت" حقق أهدافه أو حتى ما الذي كان يأمل في تحقيقه في الملفات الأخرى بخلاف السياسة الإقليمية.
وبالرغم أن الإمارات تعيد صياغة سياستها الخارجية للتخفيف من موقفها الجيوسياسي العدواني المعروف في المنطقة، فإن العلاقات القوية مع إسرائيل مهمة بالنسبة للإمارات لإعادة بناء نفوذها في واشنطن ومجابهة منافسيها الإقليميين مثل قطر والسعودية وإيران وتركيا.
ومن ناحية أخرى، فإن الانسحاب الأمريكي من المنطقة والقبول الخليجي لرئيس النظام السوري "بشار الأسد"، يعني أن النفوذ الإيراني في المنطقة سيزداد في السنوات القادمة.
ويثير هذا النفوذ المتزايد قلق كل من إسرائيل والإمارات، ويفسر جزئيا رغبة أبوظبي في تطبيع علاقاتها مع إيران أيضا. ولكن بالنظر إلى موقف الحكومة الإيرانية الجديدة المتشدد، فإن التقارب الأخير بين طهران وأبوظبي قد لا تستمر، ويمكن أن تدفع الاستفزازات المستقبلية الإمارات لتقترب أكثر من تل أبيب على حساب إيران.