الإمارات خمسون عاماً من التأسيس ريادة اقتصادية وتراجع مخيف في الحقوق والحريّات

الإمارات خمسون عاماً من التأسيس ريادة اقتصادية وتراجع مخيف في الحقوق والحريّات

مرت الذكرى الخمسين على تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة وسط متغيرات وتحديات عديدة، فلم تعد تلك الدولة البسيطة في مواقفها ورؤاها، بل أصبحت أكثر تعقيداً في علاقاتها واستراتيجيتها، فثمة تحولات كثيرة حدثت، وبالرغم من النمو المتزايد في كافة المجالات حتى باتت دولة أنموذج في التطور والرقي ورفاهية المواطنين، وتنامي دورها الإقليمي، إلا أنها في المقابل تفتقد إلى حياة دستورية وتشريعية كاملة.

 

النظام السياسي الإماراتي

فتتسم الإمارات بنظام سياسي مغلق، فلا انتخابات ولا أحزاب سياسية، ويقوم رئيس الدولة بتعيين رئيسَ الوزراء والوزراء الذين يديرون الشؤون اليومية للبلاد كما يتم تعيين نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي الأربعين وانتخاب النصف الآخر من خلال هيئة انتخابية يختار حكام الإمارات السبعة أعضاءها كل أربع سنوات، علماً بأن المجلس يحظى بصلاحية استشارية فقط.

 

السياسة الإماراتية منذ التأسيس وصولاً للخمسين

انتهجت الإمارات منذ نشأتها 1971 سياسة متوازنة في الداخل والخارج، معتمِدة أساسًا على العلاقات الوثيقة مع محيطها العربي والإسلامي، ولكن مع تولي الشيخ خليفة بن زايد السلطة وسيطرة ولى عهد أبوظبي محمد بن زايد الفعلية على الحكم، تغيرت البوصلة الداخلية والخارجية للدولة وباتت الدولة بالرغم من زيادة دورها الإقليمي وتحقيق إنجازات متعددة، إلا أنها اكتسبت الكثير من الأعداء في الداخل والخارج، وبنت تطورها على حساب حقوق أبناءها، الذين تحولوا من شركاء في الاتحاد إلى أرقام على الهامش وأحياناً أرقام داخل السجون.  

 

تحديات وظهور السلبيات

بعد مرور خمسون عاما على تجربة الإمارات، كانت التجربة متميزة في العقود الأولى من نشأتها، ولكن في العقد الأخير تعرضت إلى تحديات عدة في مقدمتها، الاختلال السكاني الملحوظ الذي أثر بشكل أو بآخر على الخلفية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمواطنين الأصليين، والذي أصبح يهدد الأمن ربما على الصعيد المستقبلي.

فبالرغم من التطور الكبير الذي نشأ في ملفات عديدة وتطور شكل الدولة من حيث التطور الإداري والتكنولوجي وغيرها إلا أن شكل إدارة الدولة استمر خلال الخمسين عاما كما هو وحتى عندما تم تحويل الدستور من مؤقت الى دائم لم يطرأ أي تغييرات جوهرية على النظام السياسي.

- لم تسعى الدولة لبناء مجتمع مدني حقيقي بل قيدته بكافة الوسائل والسبل من التشريعات والقوانين المختلفة، ناهيك عن اعتقال كل من يرفع صوته مطالباً بتحقيق بعض الإصلاحات، كما كرست الدولة قدراتها ومواردها في مواجهة الإصلاحيين في الداخل والخارج.

 

- هناك ازدواجية وتناقض واضح بين إدارة الملفين السياسي والاقتصادي، فبينما الدولة تسعى بشكل مستمر نحو اقتصاديات السوق المفتوحة وحرية الاستثمار وهي السياسات المصاحبة لنموذج التجربة الديمقراطية الغربية، إلا أنها على الصعيد السياسي عنيت أكثر بخلق سياسة رقابية صارمة تحول دون نمو الديمقراطية بشكل طبيعي أو أن تتواصل مع حركة النمو الشامل للمجتمع.

 

- استغلت الدولة ظهور النفط في توظيف الدولة الريعية لمزيد من الاستبداد لعائلة زايد وباقي حكام الإمارات السبع.

 

-من الناحية النظرية، فإن حقوق الإنسان والحريات الشخصية في دولة الإمارات العربية المتحدة مصانة دستورياً، فالدستور والقوانين تنصّ على الحريات الأساسية وتتعهد بنظام ديمقراطي، ولكن الواقع يشير إلى غير ذلك.

 

-لا ينص الدستور صراحة على حظر تشكيل الأحزاب السياسية، ولكن قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية يحذر في المادة 16 من "التدخل في السياسة أو في الأمور التي تمس أمن الدولة ونظام الحكم فيها

 

-انتهاج الدولة سياسة الدولة للقمع والتضييق على المجتمع المدني والإصلاحيين منذ وقت مبكر وليس مع موجة الربيع العربي فقط، وهذا ينبئ عن أن الخوف من المعارضة والإصلاح هو نهج الدولة، وليس المتغيرات الدولية والإقليمية فقط، وإن زادت حدتها بعد الربيع العربي.

 

ضياع لحقوق المجتمع المدني

قانونياً سمحت الإمارات بإنشاء الجمعيات والتنظيمات المدنية ولكنها في الوقت نفسه وضعت من القيود والتنظيمات القانونية والإدارية مما يجعل لها اليد الطولي في مراقبة هذه المنظمات أو حلها أو تحديد مجال حريتها وحركتها، وتشمل هذه القيود التي تفرضها الدولة على المجتمع المدني قيوداً تشريعية وإدارية وسياسية، وفي الأخير تبقى مؤسسات المجتمع المدني مجرد منحة من الدولة.

 

فسعت إلى فرض سيطرتها المطلقة على مؤسسات المجتمع المدني، ومارست القيود القانونية، وانتهجت سياسة حل الجمعيات بل والاعتقال لأعضاء هذه الجمعيات.

 

وعلى الرغم من أن الدستور الإماراتي أكد على حرية الاجتمـاع وتكوين الجمعيات في المادة ٣٣ منه بقوله (حرية الاجتماع، وتكوين الجمعيات، مكفولة في حدود القانون)، إلا أن الأحزاب السياسية ما تزال محظورة، كما أن حقوق إقامة الجمعيات مقيدة، ويتوجب على كافة المنظمات غير الحكومية التـسجيل لدى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية كما أنها تخضع لإمكانية الإغلاق الحكومي.

 

الواقع الحقوقي

بالرغم من أن موجة الربيع العربي 2011، لم تصل إلى الإمارات إلا بمعارضة ومطالب إصلاحية محدودة، إلا أن تعامل الدولة معها كان عنيفاً للغاية، فلم تكتف الدولة بالإجراءات القمعية داخل الدولة، بل تجاوزتها إلى الإقليم، وهذا يشير إلى مدى الخوف والهلع من وصول موجة التغيير إلى الإمارات، وربما هذا ينبئ عن يقين الدولة بمدى هشاشة النظام السياسي الإماراتي، وتآكل شرعيته.

فتم اعتقال العديد من النشطاء في أكبر محاكمة جماعية عرفت بقضية الإمارات 94 والتي أدانتها جميع المؤسسات الحقوقية كما تمكنت من إزاحة أبرز منتقديها وكبار دعاة الإصلاح في البلد وأبعدتهم عن الساحة العامة في الوقت الذي أرسلت به أيضا بإشارات للمعارضين المحتملين الآخرين مفادها عدم تهاونها مع تنامي بروز حوارات سياسية منفتحة واعتقلت البعض منهم لاحقاً، كما لاحقت واعتقلت كل من تضامن معهم ومع قضيتهم ولو بتغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي .

 

توظيف التكنلوجيا في القمع والتجسس

وظفت السلطة الحاكمة التقدم التكنولوجي الذي امتازت به في مزيد من القمع والتجسس على مواطنيها سواء في الداخل أو الخارج، فعلى مدار الأعوام الماضية سعى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى إيلاء الجانب الأمني والاستخباراتي أهمية واسعة، باستقدام مئات الضباط الغربيين، ومنحهم أموالاً طائلة مقابل العمل على تأسيس جهاز استخباراتي إماراتي، وتدريب الضباط الإماراتيين على التجسس.

 

حيث كشفت "فورين بوليسي" ورويترز ونيويورك تايمز، عن تنفيذ الإمارات عمليات تجسس سرية ضد مواطنيها من المعارضين السياسيين والحقوقيين والإنسانيين، باستعمال برنامج تجسس إسرائيلي نادر، كما تعد دبي وأبو ظبي من أكثر المدن المراقبة في العالم، ففي أبو ظبي وحدها هناك زهاء 20 ألف كاميرا أمنية منتشرة في المدينة لرصد 1.5 مليون شخص، بينما لدى دبي نحو 35 ألف كاميرا تراقب 2.8 مليون من سكانها".

 

كما نشرت شركة "يوغوف" البريطانية للدراسات نتائج استطلاع، يظهر أن غالبية سكان الإمارات يظنون أن هواتفهم الذكية تتجسس عليهم، وأظهر الاستطلاع، أن 55% من المقيمين يعتقدون أن أجهزتهم تتجسس عليهم، وخصوصاً هواتفهم الذكي.

 

خمسون عاماً مضّت نجحت الإمارات في تطوير قدراتها الاقتصادية والتكنلوجية وتوسيع نفوذها بينما فشلت في الحفاظ على كرامة المواطن و حقوقه بعد كل الأصوات التي تتبنى الإصلاح، وخنق الحريات وتدني كامل في ملف حقوق الإنسان واندثار للهوية الإماراتية وفقدان العديد من القيم وآخرها حتما الانزلاق في فخ التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ..

 

المصدر 

المركز الخليجي للتفكير

المركز الخليجي للتفكير (gulfthinking.com)

 

الكاتب