لمواجهة الإرهاب الحقيقي ..

لمواجهة الإرهاب الحقيقي ..

المحرر السياسي (إيماسك )

 

تتحرك الدبلوماسية الإماراتية من أجل زيادة بريق الفرضية التي تقول إن محاربة الإرهاب عسكرياً وأمنياً تكتسب أولوية مطلقة كلما توسع نطاق الخطر الذي يمثله تنظيم «داعش».

وإن صحت المقولة التي تقول ليس كل ما يلمع ذهباً، فكل ما يدار في وسائل إعلام الدولة عن الإرهاب ومحاربته داخلياً، هو للحماية تأتي في ذلك اللمعان غير الحقيقي، فالإرهاب يقتات على الظلم الذي يصنعه القمع، ويقتات الاستبداد على الرعب الذي يبثه الارهابيون؛ وهكذا في دائرة لا نهائية يغذيها قمع الأجهزة الأمنية.

يرعب الحديث عن الإرهابيين والعمليات الإرهابية الناس ويخيفهم، فيستنجدون بالسلطة لدرء مخاوفهم ورعبهم فيقايضهم جهاز أمن الدولة بحقوقهم وحرياتهم، وشيئاً فشيئاً حتى يستشري "الاستبداد"، فمنعت "الإصلاحات"، وتناسى طموح الآباء المؤسسين للدولة، وعمدوا على إفراغ المجتمع الإماراتي من حقوقه وحرياته.

 

لقد اثبتت تجارب الشعوب على مر التاريخ، توحد وتشابك مصالح كل منهما مع الآخر. ف"الاستبداد" يُعد في أعلى مراحله نوعاً من الإرهاب يُعرف في القانون الدولي بإرهاب الدولة. لكن هذا النوع من الإرهاب مسكوت عنه الآن على رغم أنه من أهم أسباب الإرهاب الذي يتصدر جدول الأعمال العالمي؛ وجدول أعمال الدبلوماسية الإماراتية في تبرير القمع الذي وصفه نائب بريطاني بـ"آورويلي" (تدمر رفاهية مجتمع منفتح وحر).

 

تؤجل السلطة الحديث عن "الإصلاح السياسي" بحجة "الإرهاب" بالرغم من أن كلاً مهما يمثل وجهاً للأخر، فالإرهاب يعمل خارج القانون فيما جهاز أمن الدولة يعمل فوق القانون، كلاهما يشيع الخوف وينتعش مع الكراهية، كلاهما يكره الحرية والمشاركة الشعبية والرأي الآخر، كلاهما يعامل الشعوب كرعايا وليس كمواطنين، كلاهما لا يعترف بالمساواة والمشاركة والمراقبة والمحاسبة، فلا يؤمنان إلا بالطاعة العمياء، كلاهما يدمران المجتمع بالحديد والأغلال والنار؛ كلاهما يختطفان ويعذبان ويحاكمان صورياً، وكلاهما يستبيح المخالفين معه، وكلاهما فقط يريد محو الآخر.

 

محاربة الإرهاب ومقاومة القمع ليستا عمليتين منفصلتين يمكن التعاطي معهما على التوالي. وما الزعم بضرورة مواجهة الإرهاب أولاً إلا التفاف على خبرات متراكمة تفيد بأن بيئة الاستبداد تنتج أعداداً من الإرهابيين أكثر ممن يمكن قتلهم أو اعتقالهم في أي حرب.

 

وتفيد الدراسات أن أصل هذا الإرهاب هو أن ظروف موضوعية كالتعذيب والاختطاف والملاحقة والتضييق، دفع الشباب للبحث عن حافز شديد لمواجهة مخاوفهم من الأجهزة القمعية، ومع تواري العقائد اليسارية والقومية، وجد هؤلاء ضالتهم في مقولات تدعو للتطرف، بعد أن خرجت من بطون كتب "ظلامية" عادة ما نسجتها الحكومات الاستبدادية بالحديد والنار.

 

إن دافعية مواجهة الإرهاب في الإمارات يجب أن تتولد من واجهة مخاوف الشباب من جهاز قمعي يمارس إرهابه ويتغول في حياة الناس فلا يشبع ولا يقنع كما يفعل الإرهاب الذي يحذر منه، أما استغلال مواجهته بالشعارات الرنانة والحراك الدبلوماسي، فيما القوانين المتعلقة به مُفصلة على الناشطين الحقوقيين، والمطالبين بالإصلاح السياسي، فلا معنى لمواجهة الإرهاب بتلك الطريقة سوى أنه يزيد الطين بله، ويزيد الخرائب والعلاقات المجتمعية.

 

إن القمع الذي يرقى إلى "الاستبداد" أسوأ الأمراض الاجتماعية والسياسية في أي مجتمع مهما ادعى هذا المجتمع من الحداثة ومهما ادعت هذه الدولة من تقدمية, وعلاوة عن العلاقة العضوية بين القمع والإرهاب إلا انه واحد من الأمراض التي يصنعها، علاوة على ذلك ، فإرهاب جهاز أمن الدولة هو إرهاب أخطر حيث يلغي الآخر بغطاء مكافحة "الإرهابيين" كحصانة من ملاحقته وتوجيه الانتقادات له، لكن ذلك لا يدوم طويلاً ومع كل يوم ينزاح الغطاء وينكشف الإرهاب الحقيقي أمام الإماراتيين والعالم.

الكاتب