فير أوبزيرفر: الإمارات لم تعد تعتمد على أمريكا في حماية أمنها القومي وتلجأ لاستراتيجية جديدة
رأى موقع "فير أوبزيرفر" أن التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط أظهرت لدولة الإمارات أنه لم يعد بإمكانها الاعتماد على الولايات المتحدة في الأمن القومي كما فعلت منذ عقود.
تواجه الإمارات، وهي دولة صغيرة وطموحة في الخليج العربي، وفق الموقع، مجموعة متنوعة من التهديدات الأمنية، حيث يضعها موقعها الجغرافي في قلب عدم الاستقرار والطائفية والمنافسات الإقليمية في الشرق الأوسط، مما يدفع البلاد إلى إيلاء اهتمام خاص لأمنها.
وبحسب الموقع، فإنه في السنوات الأخيرة، أدركت الدول العربية في الخليج العربي، وخاصة الإمارات، أن القوى الأجنبية، مثل الولايات المتحدة، لا يمكن أن توفر لها أفضل حماية ممكنة.
وكان للولايات المتحدة وجود في الخليج العربي منذ التسعينيات، واعتمدت دول الخليج على هذا الوجود لتوفير الأمن، ومع ذلك، فقد أظهرت الأحداث في السنوات الأخيرة أن دول الخليج العربية لا يمكنها الاعتماد فقط على واشنطن.
وتشمل هذه التطورات استيلاء طالبان على أفغانستان وسط انسحاب أمريكي من البلاد، كما سحبت الولايات المتحدة أحدث أنظمة الدفاع الصاروخي وبطاريات باتريوت من المملكة العربية السعودية، وعدم وجود رد عسكري أمريكي على التهديدات والهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على القواعد النفطية للمملكة من قبل الحوثيين في اليمن.
وقد شجع هذا الدول العربية في الخليج على السعي وراء الاستقلال الأمني، كما سعت الإمارات، على وجه الخصوص، إلى تحويل استراتيجيتها من الاعتماد على الولايات المتحدة والسعودية إلى مزيج من الاعتماد على الذات والتعاون متعدد الأطراف، بحسب الموقع.
وبالرغم من أن الإمارات حليف مهم لأمريكا في الخليج العربي، إلا أن الولايات المتحدة سعت خلال السنوات الأخيرة إلى دفع الإماراتيين نحو الاعتماد على الذات من الناحية الأمنية.
لقد أوضحت الأحداث الاجتماعية السياسية في الشرق الأوسط، على مدى العقد الماضي بعد الربيع العربي 2010-2011، للإمارات أن الهدف الأساسي لضمان الأمن القومي، بالإضافة إلى الاستفادة من التعاون الدولي، يجب أن يكون عبر استخدام الإمكانات الوطنية.
أظهرت الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق "حسني مبارك" خلال احتجاجات الربيع العربي وإحجام الولايات المتحدة عن الدفاع عنه كحليف لأبوظبي، أنه لا ينبغي أن تعتمد حصريًا على واشنطن للحصول على المساعدة الأمنية، وهكذا بدأت الإمارات في تطوير جيش محترف.
تنقسم استراتيجية الاعتماد على الذات لدولة الإمارات إلى أفرع مختلفة، ولكن الأهم من ذلك كله، أنها أعطت الأولوية القصوى لجهود الأمن العسكري، ويتضح تصميم الإمارات على إنشاء جيش مستقل ومحترف من سنوات من خلال استثمارها في صناعة الدفاع.
في الواقع، يمثل الأمن أولوية قصوى لدولة الإمارات، ولا يزال الإنفاق الدفاعي يشكل جزءًا كبيرًا من الميزانية الوطنية، وعادة ما يمثل الإنفاق الدفاعي لدولة الإمارات 11.1% إلى 14% من إجمالي الميزانية.
في عام 2019، بلغ الإنفاق الدفاعي لدولة الإمارات 16.4 مليار دولار، وهذا يزيد بنسبة 18% عن ميزانية 2018 البالغة 13.9 مليار دولار.
استثمرت الإمارات بكثافة في القطاع العسكري وصناعة الدفاع في السنوات الأخيرة، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، شكلت الإمارات مجموعة "إيدج" من اندماج 25 شركة.
ويبلغ عدد موظفي الشركة 12 ألف موظف ويبلغ إجمالي الإيرادات 5 مليارات دولار، كما أنها من بين أفضل 25 مجموعة في العالم، متقدمة على شركات مثل "بوز ألان هاميلتون" في الولايات المتحدة و"رولز رويس" في المملكة المتحدة.
يتم تنظيم "إيدج" حول 5 مجموعات: المنصات والأنظمة، والصواريخ والأسلحة، والدفاع السيبراني، والحرب الإلكترونية والاستخبارات، ودعم المهام. وهي تضم العديد من الشركات الإماراتية الكبرى في مجال الصناعات الدفاعية؛ مثل "إيه دي سي بي" (بناء السفن)، و"الجسور" ، و"نمر" (للمركبات)، و"ساين فور إل" (خدمات الحرب الإلكترونية)، و"أداسي" (الأنظمة المستقلة).
والهدف الرئيسي من "إيدج" هو تطوير أسلحة لمحاربة "الحرب الهجينة" وتعزيز دفاع الإمارات ضد التهديدات غير التقليدية، مع التركيز على الهجمات الإلكترونية والطائرات بدون طيار.
كما توصلت الإمارات إلى خطط مفصلة لتحسين جودة أفرادها العسكريين، حيث تنفق مبالغ كبيرة من المال كل عام على تدريب مجنديها العسكريين في الكليات وأكاديميات الحرب الأمريكية. كما أسست كلية الدفاع الوطني. ومعظم طلابها من مواطني دولة الإمارات، لما تتمتع به من استقلالية في التدريب العسكري.
بالإضافة إلى ذلك، أدخلت الإمارات في عام 2014، التجنيد الإجباري للرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا لزيادة الأعداد وتعزيز الهوية الوطنية في جيشها؛ ونتيجة لذلك، جمعت حوالي 50 ألف شخص في السنوات الثلاث الأولى.
على عكس الممارسات التقليدية، فإن القوة العسكرية المتنامية لدولة الإمارات جعلتها حريصة على استخدام القوة الخشنة لحماية مصالحها.
إن الإمارات على استعداد لاستخدام القوة العسكرية في أي مكان في المنطقة لاحتواء النفوذ الإيراني المتزايد وإضعاف الجماعات الإسلامية؛ مثل جماعة الإخوان المسلمين، وقد كانت المشاركة في حرب اليمن بمثابة اختبار لهذه الاستراتيجية.
بدأ الوجود العسكري للإمارات في اليمن في مارس/آذار 2015، وأرسلت كتيبة قوامها 3000 جندي إلى اليمن في أغسطس/آب 2015 إلى جانب تحالف السعودية ودول عربية.
على مدى السنوات الخمس الماضية، اتبعت الإمارات أجندة استراتيجية طموحة في البحر الأحمر، حيث قامت ببناء منشآت عسكرية وتأمين السيطرة على السواحل الجنوبية لليمن على طول بحر العرب في مضيق باب المندب وجزيرة سقطرى.
بالرغم من تقليص وجودها العسكري في اليمن في عام 2019، فقد عززت الإمارات وجودها في المناطق الجنوبية. وواصلت تمويل وتقديم التدريب لآلاف المقاتلين اليمنيين الذين تم تجنيدهم من مجموعات مختلفة مثل قوات "الحزام الأمني" وقوات "النخبة الشبوانية" و"الحضرمي" ولواء "أبو العباس" وقوات "الساحل الغربي".
إن هدف الإمارات في تبني استراتيجية الاعتماد على الذات هو زيادة العمق الاستراتيجي في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، وهكذا، فإلى جانب الوجود العسكري المباشر أو الدعم بالسلاح للجماعات المنخرطة في حروب بالوكالة، فإنه يؤثر على الشؤون الداخلية لدول مختلفة في المنطقة، مثل اليمن والصومال وإريتريا وإثيوبيا والسودان ومصر وليبيا. وبتأثيرها، يمكن لدولة الإمارات أن تحول المد لصالحها في مناطق معينة.
تواجه دولة الإمارات مجموعة متنوعة من التحديات الأمنية في الشرق الأوسط، وتتطلب معالجتها التعاون مع الدول الأخرى.
وأهم التهديدات الأمنية في الإمارات حاليًا هي: مواجهة التهديدات والقوة الإيرانية في الشرق الأوسط، لا سيما في الدول العربية الواقعة تحت النفوذ الإيراني، مثل اليمن وسوريا ولبنان والقضاء على تهديدات الجماعات الإرهابية والإسلام السياسي في المنطقة، وأهمها -بحسب الإمارات- جماعة الإخوان المسلمين، والتهديدات الاقتصادية والجهود المبذولة للتحضير لعالم ما بعد النفط.
وتسعى الإمارات في استراتيجيتها متعددة الأطراف إلى مواجهة هذه التهديدات بمساعدة دول أخرى في المنطقة أو خارجها، لقد استخدمت القوة الناعمة من خلال الاستثمارات أو تقديم المساعدات الإنسانية، مما يشير إلى أن التعاون الاقتصادي أكثر أهمية من المنافسة السياسية والتدخل. وفي هذا الصدد، تعاونت الإمارات مع تركيا والسعودية ومصر وبريطانيا وفرنسا، وقامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
في 13 أغسطس/آب 2020، أصبحت الإمارات أول دولة خليجية تطبع العلاقات مع إسرائيل، وتهدف من ذلك لمواجهة التهديدات من إيران والمنطقة، ولا تعد اتفاقيات "أبراهام" أمنية فحسب، بل لها جانب اقتصادي أيضًا.
بعد توقيع الاتفاقات، في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعلنت الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات عن إنشاء صندوق"أبراهام"، وهو صندوق مشترك بقيمة 3 مليارات دولار "في مبادرات الاستثمار والتنمية التي يقودها القطاع الخاص"، ويهدف إلى "تعزيز التعاون الاقتصادي.
بالإضافة إلى ذلك، تم توقيع مذكرة مصرفية ومالية بين أكبر البنوك في إسرائيل ودبي، ومناقصة مشتركة بين مشغل موانئ دبي العالمية وشركة الشحن الإسرائيلية لإدارة ميناء حيفا الإسرائيلي.
تسعى دولة الإمارات من خلال اتفاقيات "أبراهام"، إلى استثمار ونقل التقنيات الإسرائيلية إلى الإمارات من خلال اتفاقيات متبادلة.
اكتشفت الإمارات أن إسرائيل هي أحد جسور الاقتصاد الأمريكي والتكنولوجيا المتقدمة، وإذا كانت أبوظبي تنوي أن يكون لديها اقتصاد خالٍ من النفط في المستقبل، فقد تكون إسرائيل هي الخيار الأفضل لتحقيق ذلك من خلال اتباع استراتيجية التعددية.
وتعتبر علاقات الإمارات مع تركيا ذات بُعد متعدد الأطراف للوصول إلى الأهداف الأمنية المشتركة، وكانت العلاقات بين البلدين جيدة إلى أن أدت احتجاجات الربيع العربي إلى تعريض العلاقات بينهما للخطر.
بدأت أبوظبي وأنقرة في نزع فتيل التوترات بعد مكالمة هاتفية في أغسطس/آب 2021 بين ولي عهد الإمارات "محمد بن زايد آل نهيان" والرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، يوجد لديهما خلافات بشكل رئيسي حول قضايا في ليبيا وسوريا ومصر، وتحاول الإمارات حل نزاعاتها مع تركيا من خلال الاستثمار في البلاد.
تعد تركيا أكبر داعم للإخوان المسلمين في المنطقة، ويعتقد الأتراك أن الإمارات شاركت في الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز 2016 ضد الحكومة التركية.
ومع ذلك، تريد الإمارات إنهاء الاحتكاكات مع تركيا من خلال الاستثمار وزيادة العلاقات التجارية؛ حيث تراجعت قيمة الليرة التركية في السنوات الأخيرة.
ولن يفوت "أردوغان" هذه الفرصة الاقتصادية مع الإمارات ويرحب بالاستثمارات الإماراتية. بهذه الطريقة، من المرجح أن تحل أبوظبي بسهولة خلافاتها مع تركيا.
يتعارض الاتجاه الحالي لاستخدام القوة مع سياسة أبوظبي التقليدية، ومع ذلك فإن زيادة العمق الاستراتيجي لدولة الإمارات هو أحد أكثر أهداف أبو ظبي القابلة للتحقيق في إستراتيجيتها للاعتماد على الذات.
وهذه الخطة هي عكس التعددية تماما، وعلى عكس استخدام القوة الصلبة، تسعى أبوظبي إلى تحقيق أهدافها باستخدام القوة الناعمة والاستثمار والمساعدات الإنسانية. في هذه الحالة، يكون للاستغلال التكتيكي للتعاون الاقتصادي الأسبقية على المنافسة السياسية والتدخل العسكري في المنطقة.