مخاوف إسرائيلية من التقارب الإماراتي الإيراني
في الوقت الذي تتقارب فيه دولة الاحتلال مع الإمارات العربية المتحدة بصورة متسارعة، فإن هواجس أخيرة بدأت تتسرب إلى المحافل الإسرائيلية عقب التقارب القائم بين أبوظبي وطهران.
دفع ذلك عددا من الخبراء الإسرائيليين إلى توجيه تحذير إلى دوائر صنع القرار في تل أبيب أن تأخذ بعين الاعتبار تغييرًا محتملاً في مكانة الإمارات العربية المتحدة كركيزة لإسرائيل على الجبهة الإقليمية في مواجهة إيران، لا سيما على خلفية التصدعات الإضافية التي تم الكشف عنها على هذه الجبهة، وبالتأكيد إذا تم التوقيع على اتفاقية جديدة مع إيران.
يوآل غوزينسكي الباحث في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب ذكر في مقال على موقع "نيوز ون" أن "الإمارات تعتبر الشريك الرئيسي لإسرائيل في منطقة الخليج، وهما تشتركان في توصيف إيران بأنها تشكل التهديد الرئيسي لأمنهما القومي، ويزداد هذا التحدي في ضوء ما تشكله إيران من تهديد للإمارات بإلحاق أضرار مباشرة لأهدافها الاستراتيجية، لا سيما المنشآت النفطية وتحلية المياه ومعاقل الحكومة؛ بجانب تهديد غير مباشر باستخدام مبعوثي إيران الحوثيين في اليمن؛ كتهديد محتمل بالتخريب في دبي؛ مع التهديد القائم أصلا بسيطرة إيران الفعلية على الجزر الإماراتية".
وأضاف أنه "في ضوء هذه الخلفية، طورت الإمارات علاقاتها المتزايدة مع إسرائيل على عدة أصعدة، أولها التنسيق على المستوى السياسي الاستراتيجي تجاه مصالحهما المشتركة، وثانيها التنسيق على المستوى الاستخباراتي العملياتي لإحباط التهديدات والتعامل معها، وثالثها أن الإمارات العربية المتحدة تحتاج إلى التكنولوجيا الأمنية الإسرائيلية، خاصة في ظل الثغرات القائمة داخل دفاعاتها الصاروخية، فضلا عن حاجتها إلى أن تربط قدراتها العسكرية بإسرائيل ما يزيد من صورتها الردعية تجاه إيران".
لعله بات من المألوف في الآونة الأخيرة تكثيف اجتماعات كبار المسؤولين من الجانبين، تل أبيب وأبوظبي، للخروج بمجموعة متنوعة من الردود الدفاعية تجاه إيران، وسعيهما في الوقت نفسه للحفاظ على علاقات اقتصادية ودبلوماسية قدر الإمكان كنوع من "شهادة التأمين" التي تحتاجها الإمارات لمواجهة إيران.
في الوقت ذاته، لا تخفي الأوساط الإسرائيلية شكوكها إزاء ما ترصده من تقارب لافت بين الإمارات وإيران، إلى الدرجة التي أصبحت فيها أبوظبي من أهم الشركاء التجاريين لطهران، مع أنه قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران في عام 2018، بلغ حجم التجارة المبلغ عنه بين البلدين 13 مليار دولار، بجانب تجارة غير مشروعة على نطاق واسع بينهما، رغم ما لدى إسرائيل من معلومات تفيد بتأييد الإمارات علناً لهذا الانسحاب، بل وتعاونت في حملة الضغط الأمريكية على إيران، ما أدى إلى انخفاض حجم التجارة مع إيران إلى 7 مليارات دولار.
ما يزيد الهواجس الإسرائيلية من التقارب الإماراتي الإيراني في الآونة الأخيرة ما يصل تل أبيب من معطيات من أبوظبي مفاده شعورها بالقلق بشأن المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، خشية أن يؤدي الاتفاق إلى زيادة نفوذها الإقليمي، مع توقع أن تستفيد الإمارات من رفع العقوبات عن إيران لأنه سيزيد ويوسع تبادلهما التجاري.
تحاول المحافل الأمنية والسياسية الإسرائيلية تفسير لجوء الإمارات الجاري للحوار مع إيران بأنه محاولة منها لوقف هجمات الأخيرة على السفن الخليجية، ونتيجة مخاوفها من استهداف إيراني لها، من خلال الحوثيين، رغم أن التقارب الإيراني الإماراتي اشتد مع إعلان الأخيرة إجلاء قواتها من اليمن، وتوقيع مذكرة لتعزيز التنسيق في مجال الشحن، وتذويب الأموال الإيرانية في بنوك الإمارات، وتحويل مساعدات طبية إلى إيران.
صحيح أن هناك "تفهماً" إسرائيليا لهذه الخطوة الإماراتية تجاه إيران، لكنها تخشى أن تمضي بعيدا في هذا التقارب، ما يخل بالنظرة الإسرائيلية التي تعتبرها قاعدتها الأمامية لمواجهة إيران، كونها على مسافة قريبة منها، مع العلم أن إيران لم تكن بحاجة لإعلان اتفاقيات التطبيع كي تعلم أن هناك تعاونًا أمنيًا بين إسرائيل وجيرانها العرب، ووضعها هدفًا لذلك التعاون، لكن الاتفاقات جعلت الوجود الإسرائيلي في الخليج رسميًا وعلنيًا، ما يوفر ذريعة جديدة لديها لجعل الإمارات هدفا لهجماتها.
الخلاصة أن القراءة الإسرائيلية في التقارب الإماراتي الإيراني أنه يسعى للحفاظ على علاقات معقولة معها، ما قد يعني إدراكا إسرائيليا للاتجاه السياسي الذي تتحرك فيه الإمارات، ليس فقط لأنها دولة سياسية واقتصادية وعسكرية رئيسية في الشرق الأوسط، ولكن لأنها دولة تتقن المناورات السياسية التي تجريها، رغم أن إسرائيل تدرك أنها تعيش عصر التحالفات المتقلبة وتبدل الولاءات، ما يستدعي منها الانتباه للتغييرات الناشئة، ودراسة ما إذا كانت ستتأثر، وكيف، من التقارب الإيراني الإماراتي.