مركز مناصرة معتقلي الإمارات: القضاة ضحايا للاعتقال والانتهاكات في سحون أبوظبي
سلط مركز مناصرة معتقلي الإمارات، في تقرير له، الضوء على انتهاكات سلطات أبوظبي، بحق السلك القضائي في الدولة، مشيراً إلى أن الكثير من القضاة لا يزالون يقبعون خلف القضبان منذ سنوات، ويتعرضون لأبشع أنواع الانتهاكات على الرغم من الحصانة التي يمنحها قانون الدولة لأعضاء السلك القضائي.
وقال المركز في تقريره، إنه "على الرغم من الحصانة التي يمنحها قانون الدولة الاتحادية لأعضاء السلك القضائي، والتي تمنع اعتقالهم أو التحقيق معهم، إلا أنها لم تكن كافية لحمايتهم من حملة الاعتقالات التعسفية التي شنتها السلطات الإماراتية في 2012 ضد أنصار الإصلاح السلمي والديمقراطي".
ويبلغ عدد أعضاء القضاء والنيابة العامة الذين جرى اعتقالهم أو إدانتهم في المحاكمة الجماعية بقضية (الإمارات 94) 5 من أصل 69 تمت إدانتهم وصدرت بحقهم أحكام طويلة بالسَجن، وهم المستشار علي الكندي، القاضي محمد العبدولي، القاضي المتقاعد أحمد الزعابي، عضو النيابة العامة طارق القاسم، والدكتور هادف العويس أحد أعضاء الهيئة القضائية في مركز دبي للتحكيم الدولي.
ويعد المستشار علي الكندي أحد أبرز القضاة المعتقلين حالياً، حيث كان أحد قضاة مجلس الدولة، ومستشاراً مساعداً في القضايا التي تُرفع على الدولة أمام المحاكم الاتحادية، وهو منصب يعادل "المحامي العام" في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه كان أمين سر جمعية الحقوقيين الإماراتيين التي قامت السلطات بحلها.
تعرض الكندي للاعتقال في 10 سبتمبر 2012، من قبل قوة تابعة لجهاز أمن الدولة دون توجيه تهمة أو إبراز مذكرة اعتقال قانونية، ليتم إخفاؤه قسرياً لأشهر طويلة حتى ظهر في أول جلسات محاكمة (الإمارات94) الجماعية.
في 2 يوليو 2013، حكمت المحكمة الاتحادية العليا في أبوظبي على الكندي بالسجن 10 سنوات مع 3 إضافية للمراقبة، وكان قد مثل أمام المحكمة باعتباره أحدَ أفراد (الإمارات94).
ونددت جهات حقوقية ودولية باعتقال الكندي ومحاكمته لما عرف عنه من تفانٍ في خدمة وطنه فقد قضى سنوات طويلة في الدفاع عند الإمارات وقراراتها وكان الممثل القانوني للدولة والشخصيات الحكومية في 10 محاكم مختلفة.
ومن بين القضاة البارزين، الذين شملتهم حملة الاعتقالات التعسفية، القاضي ورئيس الدائرة الجزائية في محكمة استئناف أبوظبي محمد العبدولي، الذي تم اعتقاله يوم 11 أكتوبر 2012 من مقر سكنه وبقي مختفياً قسرياً لأشهر طويلة في مكان غير معلوم حتى ظهوره في المحكمة.
العبدولي قدم مرافعة شفهية للمحكمة، استنكر فيها عملية اعتقاله التي اعتبرها "جريمة دستورية وقانونية" لكونه يتمتع بحصانة قضائية، مشيراً أن ما حدث من انتهاكات قانونية ضده هو تشويه لسمعة القضاء الإماراتي.
وكشف العبدولي في المرافعة عن تعرضه للاعتقال ووضعه في تابوت مكبل الرأس ومعصوب العينين ونقل إلى مكان مجهول، دون السماح له بالاتصال بأهله.
في 2 يوليو 2013، حكمت المحكمة الاتحادية العليا في أبوظبي على 56 شخصاً، من بينهم العبدولي بالسجن 10 سنوات مع 3 إضافية للمراقبة وكان قد مثل أمام المحكمة باعتباره أحد أفراد (الإمارات 94).
ولم يسلم من هذه الحملة القمعية، القاضي المتقاعد أحمد الزعابي، الذي كان يعمل كقاض ومدير للتفتيش القضائي في العاصمة، حيث قام عناصر من جهاز أمن الدولة باعتقاله في 26 مارس 2012، بتهمة "انتحال صفة قاض وتزوير جواز السفر" لأنه يحدّث بياناته ويغير صفته المهنية إلى "قاض سابق".
في البداية حكمت محكمة أمن الدولة على الزعابي، بالسجن 6 أشهر مع مصادرة جواز سفره وتغريمه 500 درهم، ثم جرى تحويله للتحقيق في قضية (الإمارات 94)، حيث تعرض لأبشع أنواع التعذيب مثل خلع الأظافر والضرب الشديد.
في 2 يوليو 2013، حكمت المحكمة الاتحادية العليا في أبوظبي على الزعابي، بالسجن 10 سنوات مع 3 إضافية للمراقبة في قضية (الإمارات 94)، إثر محاكمة هزلية افتقرت لأدنى معايير العدالة، وتضمنت تعذيبه وتزوير الأدلة ضده.
ولم تقتصر الاعتقالات التي شنتها السلطات على القضاة فقط، بل امتدت لتشمل الأعضاء العاملين في النيابة العامة، كطارق القاسم، الذي شغل مناصب عديدة فيها، مثل مدير دائرة القضايا الجنائية، ومدير إدارة الجودة بالنيابة العامة بدبي.
واعتقلت قوة أمنيةٌ القاسم في 19 يوليو 2012 من أمام المسجد بإمارة دبي، وقد أكّدت ابنته أن والدها اعتقل وانقطع الاتصال به مباشرة بعد عملية القبض عليه وبقيَ في مكان مجهول إلى حين ظهوره في المحكمة.
في 2 يوليو 2013، حكمت المحكمة الاتحادية العليا في أبوظبي على 56 شخصًا، من بينهم القاسم، بالسجن 10 سنوات مع 3 إضافية للمراقبة، وكان قد مثل أمام المحكمة كأحد أفراد (الإمارات94).
أما أحد أبرز ضحايا حملة الاعتقالات تلك، كان الدكتور هادف العويس الأكاديمي الإماراتي، الذي عمل كأحد أعضاء الهيئة القضائية في مركز دبي للتحكيم الدولي، وعميداً لكلية القانون في جامعات الإمارات، وقد كتب العديد من المقالات والأبحاث المنشورة في مجلات قانونية محكّمة.
واعتقل العويس في 11 سبتمبر 2012، واحتجز في مكان مجهول لأشهر طويلة حتى ظهوره في المحكمة، كما تعرّض للسب والتعذيب والحبس الانفرادي ومُنع من التمثيل القانوني أو الزيارة.
خلال المحاكمة، قدم العويس مرافعة كشف فيها، أن أمر القبض عليه صدر بناء على معلومات أخذت تحت التعذيب، وأكد تغطية عينيه ودفعه من ظهره بطريقة مهينة ووضعه في مكان غير قانوني، وأنه رغم صدور قرار بإيداعه في سجن الوثبة، إلا أن ذلك لم يحصل.
واستنكر العويس خلال مرافعته حوادث الاعتداء عليه وعدم احترام مركزه كأحد أعضاء الهيئة القضائية في الإمارات، متسائلاً "هل يجيز الشيخ خليفة ضرب أحد أعضاء الهيئة القضائية"، مشيراً إلى أنه لم يحتجز في سجن مركزي، وحتى رئيس النيابة لا يعلم مكانه، وهو ما يعني أن القبض عليه باطل وكل ما ترتب عليه باطل.
ورغم مرافعة العويس التي فند فيها كل الأكاذيب المسندة إليه، وكشف بطلان الإجراءات القانونية بالقبض عليه، فإن المحكمة الاتحادية العليا في أبوظبي حكمت عليه في 2 يوليو 2013، بالسجن 10 سنوات مع 3 إضافية للمراقبة، باعتباره أحد أفراد (الإمارات94).
ونددت العديد من الجهات الحقوقية باعتقال العويس، من بينهم المقررة الخاصة لحقوق الإنسان ماري لولر التي رفضت في يونيو 2021 انتهاكات الحبس الانفرادي بحق معتقلي الرأي في سجون الإمارات، وحثّت الحكومة على إطلاق سراح 5 ناشطين مدافعين عن حقوق الإنسان على الفور بعد احتجازهم 9 أعوام في ظروف قاسية، وكان العويس من بين تلك الأسماء.