مع مرور عام على وفاته...دعوات حقوقية للتحقيق بأسباب وفاة الصحفي تيسير النجار متأثراً بظروف اعتقاله بالإمارات
أعلن مركز مناصرة معتقلي الإمارات، انضمامه إلى أصوات العديد من المنظمات الحقوقية التي تدعو للوقوف بدقة حول أسباب وفاة الصحفي الأردني تيسير النجار، الذي توفي نتيجة تدهور صحته بسبب التعذيب الجسدي والنفسي، بعد معاناة تلاحقه حتى بعد خروجه من سجون سلطات أبوظبي.
وقال المركز: في هذه الأيام تمر الذكرى الأولى لوفاة الصحفي الأردني تيسير النجار، الذي رحل في الساعة الأولى من فجر يوم الجمعة 19 فبراير 2021، عن عمر لم يتجاوز الـ45 عامًا، إثر وعكة صحية على خلفية العديد من الأمراض التي قيل إنه أصيب بها خلال فترة اعتقاله في الإمارات.
والنجار هو أب لخمسة أطفال، وعضو في نقابة الصحفيين ورابطة الكتاب الأردنيتين، كان يعمل في أبوظبي، حتى فوجئ في ديسمبر 2015 بمنعه من السفر إلى عمّان دون معرفة السبب، حيث طلبت السلطات الإماراتية مراجعة الجهات المعنية، قبل أن تتصل به شرطة أبوظبي وتطلب منه مراجعتها في 13 ديسمبر 2015، ليتم اعتقاله هناك.
واختفى بعدها النجار عدة أشهر، قبل أن يظهر في مارس 2017 في ساحة المحكمة إثر الحكم عليه بالسجن 3 سنوات وغرامة نصف مليون درهم إماراتي (135 ألف دولار) بتهمة "إهانة رموز الدولة"، بسبب منشورات انتقد فيها موقف السلطات الإماراتية من العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، وهي منشورات كتبها قبل سفره للعمل في الإمارات، التي انتقل للعمل فيها عام 2015.
ورغم الإفراج عنه في فبراير 2019 بعد انتهاء حكمه، إلا أن الأمراض والآلام النفسية الناجمة عن ظروف سجنه السيئة ظلت تلاحقه، فدخل المستشفى مرات عديدة، وهو الأمر الذي كان الصحفي الأردني قد ألمح له مرات عديدة عبر منشوراته في "فيسبوك" قبل وفاته.
وأشارت زوجته ماجدة الحوراني لمعاناته في تصريحات سابقة، إذ قالت إن تيسير عانى من أمراض عدة منذ خروجه من السجن وعودته للأردن، مثل داء الشقيقة، ولا يسمع بإحدى أذنيه، إضافة إلى مشاكل في الأسنان ومشاكل صحية أخرى قالت إنها أصابته خلال فترة اعتقاله.
لكن الأمراض المزمنة ليست وحدها هي من رافق النجار، فقد ظلت المعاناة النفسية التي شعر بها في معتقله تطارده حتى بعد الإفراج عنه، وهي معاناة لم تغب يوماً عن منشوراته في "فيسبوك"، إذ أكد باستمرار أن الفترة التي قضاها في السجن مازالت تلاحقه، فقد كتب في إحدى منشوراته عن ذلك: "السجن ما يزال يرافقني، فليس من السهل الخلاص من قسوة وألم وظلم وقهر 3 سنوات وشهرين "، كما أضاف في منشور آخر: "لم أصدق بعد أنني خرجت من السجن".
عالم "الفيسبوك" لم يكن المكان الوحيد الذي عبر فيه النجار عن الألم النفسي الذي كان يعتصره، فقد كتب مقالة في أحد المواقع العربية تحت عنوان: "رسالة في الحرية.. الألم الآن"، تناول فيها جزءاً من معاناته خلال السجن، شاكياً فيها: "الكل يريد مني أن أكون قوياً، لأن الكل "هذا" لم يذق خلاصة الألم البشري، ولأن الكل "هذا" لم يعرف ما معنى حركة الجسد، وكيف يتفنّن السجان في التحكّم بها في سجني الانفرادي".
ووثق النجار في مقالته، الألم الذي شعر به منذ خروجه من السجن، كاشفاً عن "نوبات البكاء الحارقة، ونوبة التشنج"، وعن تكرارها، حتى تحولت وفق تعبيره إلى "نوبة متواصلة من الصمت".
في تلك المقالة أيضاً، وصف النجار مشاعره داخل سجنه الانفرادي، حيث كان "يتمنى رؤية الشمس، أو يدخل الحمام دون قيود، أو حتى يرى أي وجه، وكان يصرخ باستمرار لعل الرحمة تلمس قلوب سجانيه" التي وصفها بـ"الحجارة".
ونفى النجار شعوره بالحرية، لأن "من يسجن في الإمارات يرافقه السجن في كل لحظة من حياته" وفق تعبيره، متسائلاً "كيف يمكن أن تشرح لإنسانٍ لم يعرف السجن الأمني في الإمارات أن يعرف الأهمية العظمى لرؤية شجرة، أو شارع، أو أطفال، أو رؤية ملابس نظيفة؟ كيف يمكن أن تشرح لمن حولك أهمية المقولة التي تردّدها بينك وبين نفسك "الحمد الله، لم يُسلخ جلدي على الأقل".
وقال النجار إن "قلبه تحطم، ولم تعد تجري فيه الدماء بل آلامٌ وذكريات قاسية"، فالمحقق وفق وصفه كان "يدوس على قلبه، كمن يدوس على لوحٍ من الزجاج" قائلاً إن ما كان يجري في السجن الانفرادي هو "عملية تهشيم لذاته الانسانية"، التي يقول إنها لم تعد موجودة، لأن "المهم في السجن هو الحفاظ على وجودك والبقاء حياً".
مشاعر كثيرة من الألم كانت تفيض بمقالات النجار ومنشوراته، الذي قال في إحداها قبل وفاته بأشهر قليلة إنه "لن ينسى الوجوه التي سوف يحاسبها أمام الله"، وهي المقولة التي ظل يتداولها أصدقاؤه ومحبوه بعد وفاته.
وحسب مركز مناصرة معتقلي الإمارات، فإن الصحفي الأردني المثقف لم يكن الوحيد الذي دفع سنوات من عمره داخل سجون الإمارات لأرائه السياسية، فقد سبقه في ذلك العشرات، لكن قلبه المكسور لم يحتمل حجم الألم الذي عاشه داخل السجن.
ويعتقد المركز أن النجار، ربما توفى رسميًا في 19 فبراير 2021 لكن موته الحقيقي بدأ منذ اليوم الأول لدخوله السجون الإماراتية، فعلى مدار سنوات الاعتقال الثلاثة والأشهر التي تلتها، كان الرجل في حالة احتضار رسمي، فقد دخل المستشفى أكثر من 30 مرة من السجن، وأجرى عدة عمليات أولها في شبكية العين وآخرها نزيفٌ في المعدة.
وأوضح في ختام تقريره، أنه بوفاة النجار وملابساتها، تضاف صفحة جديدة إلى سجل الإمارات الحقوقي المتدهور، فوفاته لم تكن سوى تلك القطرة التي أفاضت الكأس، لتكشف المستور وتسقط الأقنعة المزيفة عن حقيقة ما يجري داخل السجون الإماراتية.