جيوبوليتكال: تحولات كبيرة في علاقة أمريكا مع السعودية والإمارات
عقدت جامعة الدول العربية اجتماعا طارئا، الأسبوع الماضي، بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي نهاية الاجتماع، صدر بيان روتيني لم يتبن إدانة أو دعم التحركات الروسية. وكرر البيان التعليقات المألوفة حول احترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وضرورة تسوية النزاعات عبر الحلول السلمية.
ويفضل معظم القادة العرب أخذ مسافة من هذا الصراع وعدم الاضطرار إلى الاختيار بين الغرب وروسيا. ومع ذلك، تبنت السعودية والإمارات نهجًا مختلفًا، حيث اتخذت إجراءات تظهر خلافهما المتزايد مع الولايات المتحدة.
منذ أن تولى الرئيس الأمريكي "جو بايدن" منصبه في عام 2021، اختلفت السعودية والولايات المتحدة حول مجموعة من القضايا، من الحرب في اليمن إلى التهديد النووي الإيراني. لكن يكمن الخلاف الرئيسي بينهما حول مستقبل ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان". وتعتقد الرياض أن "بايدن" يحاول تهميش "بن سلمان" حيث رفض التحدث أو التعامل معه. لذلك يحاول السعوديون استغلال الموقف الحالي لإرسالة رسالة مفادها "ما لم تتعامل واشنطن مع ولي العهد، فإن السعودية ستتحالف مع روسيا".
يعتبر "بايدن" أن "بن سلمان" عدو للديمقراطية وحقوق الإنسان ولا يعترف به كحاكم فعلي للملكة. وفي مقابلة أجريت معه مؤخرًا، تجاهل "بن سلمان" عداء "بايدن" تجاهه، قائلاً إنه لا يهتم إذا أساء الرئيس الأمريكي فهمه. وأضاف أن الأمر متروك لـ"بايدن" للتفكير في مصالح أمريكا.
ولم تعد الولايات المتحدة تعتمد على السعودية كمورد رئيسي للنفط. لكن خلال الشهر الماضي، طالب كل من "بايدن" والرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" السعودية بزيادة إنتاج النفط لتخفيف الضغط على الاقتصادات الغربية، وخفض أسعار النفط وتقليل اعتماد أوروبا على صادرات النفط والغاز الروسية. وتجاهل ولي العهد السعودي كلا الطلبين، ما يشير إلى تصاعد التوترات مع الإدارة الأمريكية.
بالنسبة لـ"بن سلمان"، فإن نأي "بايدن" عنه يزيد من عزلته. ولم تتم دعوة "بن سلمان" لحضور قمة مجموعة العشرين في روما في أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ وبدلاً من ذلك، خاطب الملك "سلمان" الاجتماع افتراضيًا بينما كان وزير الخارجية السعودي يحضر شخصيًا. وما لم يغير "بايدن" نهجه، ستستمر العلاقات الأمريكية السعودية في التدهور.
ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تصل العلاقات السعودية الأمريكية إلى نقطة اللاعودة لأن أفراد العائلة المالكة يدركون أن بقاء المملكة يتوقف على موقف الولايات المتحدة. وبالنسبة لهم، فإن مستقبل البلاد أكثر أهمية من صعود "بن سلمان" إلى العرش.
على مدى السنوات القليلة الماضية، أعربت الإمارات أيضًا عن استيائها من الولايات المتحدة واستشهدت أبوظبي بسياسة واشنطن المتغيرة تجاه إيران، والشروط الصارمة لبيع مقاتلات "إف-35"، والإدانة الفاترة لهجمات الحوثيين الأخيرة على أبوظبي كدليل على تخلي الولايات المتحدة عن شركائها الخليجيين. ووصل الأمر إلى تفكير أبوظبي في شراء طائرات "سو-75" الروسية، والتي لا تزال قيد التطوير، لإظهار خيبة أملها من تردد إدارة "بايدن" بشأن طائرات "إف-35".
وكشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن مدى تدهور العلاقات الأمريكية الإماراتية. ويفضل المسؤولون الإماراتيون استخدام الدبلوماسية لحل الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بحجة أن الانحياز إلى جانب واحد لن يؤدي إلا إلى تفاقم العنف.
وامتنعت الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن لصالح قرار يدين الغزو الروسي، فيما صوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الغزو، ولكن فقط بعد أن ضغط رئيس الوزراء الإسرائيلي "نفتالي بينيت" على ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، لدعم هذه الخطوة.
ووفقًا لوزارة الخارجية الروسية، أيّد "بن زايد" حق روسيا في الدفاع عن أمنها القومي عندما تحدث مع "بوتين" عبر الهاتف الأسبوع الماضي. ولم تنكر حكومة الإمارات المزاعم الروسية لكنها شددت على أنها ستعمل مع جميع الأطراف المعنية للمساعدة في إيجاد حل للصراع.
وفي السنوات الأخيرة، راقبت الولايات المتحدة الإمارات وهي تعزز علاقات اقتصادية وسياسية أوثق مع كل من موسكو وبكين. وفي سوريا، التقت المصالح الجيوسياسية للإمارات مع روسيا، وكلاهما يريد ضمان بقاء نظام "بشار الأسد". وفي ليبيا، اتبعت الإمارات سياسة عدوانية ودعمت الجنرال "خليفة حفتر" الذي يحظى بدعم روسي أيضا.
وتعد صناديق الثروة السيادية الإماراتية مساهما في صندوق الاستثمار المباشر الروسي، وأقامت الإمارات علاقات استراتيجية مع صندوق الثروة السيادية الروسي، كما تعمل أكثر من 4000 شركة روسية في الإمارات، وتضم الإمارات معظم استثمارات روسيا في الخليج، ومعظمها في قطاعي العقارات والضيافة.
ومن بين الدول العربية الثلاث التي استثمرت بالفعل 35 مليار دولار في صناعة النفط الروسية (الإمارات وقطر والسعودية)، تحتل الإمارات المرتبة الأولى، حيث تمثل أكثر من 50% من الإجمالي، تليها قطر بنسبة 40%. ووعد السعوديون مؤخرًا باستثمار 10 مليارات دولار بالإضافة إلى 2.5 مليار دولار استثمروها قبل بضع سنوات.
وتعد الثروة الهائلة التي تتركز في دبي نتاج المصائب التي تعاني منها البلدان الأخرى، فقد فرّ رواد الأعمال اللبنانيون والسوريون والعراقيون من بلدانهم التي مزقتها الحرب للاستثمار في دبي، كما فعل العديد من الإيرانيين بعد الثورة الإسلامية عام 1979. ويبدو أن الدور على روسيا الآن. وبسبب الحرب في أوكرانيا والعقوبات الدولية المترتبة عليها، ينتقل رجال الأعمال الروس إلى دبي في محاولة لإعادة إطلاق أنشطتهم.
وبالنسبة للصين، تعتبر الإمارات بوابة لتوسيع أنشطتها الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي عام 2018، وقعت أبوظبي اتفاقية شراكة استراتيجية مع الصين. وحتى الآن، لم تعترض واشنطن على توسيع الإمارات لعلاقاتها مع روسيا والصين، طالما أنها تتعلق بالمسائل الاقتصادية فقط، لا سيما أن تجارة الإمارات مع الغرب مستمرة، وخاصة مع الولايات المتحدة، وهي تتجاوز حجم تجارتها مع الصين وروسيا.
ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة ستعترض على أي محاولات للتعاون العسكري، لا سيما إنشاء القواعد. وانتقدت بشدة قاعدة بحرية صينية سرية قيد الإنشاء في ميناء أبوظبي. كما أن لديها مخاوف أمنية بشأن استخدام الإمارات لتقنية الجيل الخامس لدى شركة الاتصالات الصينية "هواوي".
وأدت الأزمة الأوكرانية إلى تفاقم هذه الانقسامات. ويعتقد السعوديون أنه يمكنهم الآن الضغط على "بايدن" للاعتراف بـ"بن سلمان" خليفة للملك "سلمان". وترى الإمارات أن هذه فرصة لجعل إدارة "بايدن" تنظر إليها كلاعب سياسي ثقيل الوزن في الخليج.
واعترف سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة "يوسف العتيبة"، الذي وصف بأنه الرجل الأكثر نفوذاً في واشنطن، أن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين تمر بأوقات عصيبة. وكانت الرسالة واضحة: "إذا كانت الولايات المتحدة تسعى لتقليل التزامها الأمني تجاه الإمارات، فإن أبوظبي لها الحق في البحث عن شركاء في مكان آخر". لكن الولايات المتحدة لن تتسامح مع المعارضة السعودية والإماراتية بحجة الحياد.
ولا يعبر الموقف السعودي الإماراتي عن الموقف الخليجي، ويمكن رؤية الانقسام بين دول الخليج في الطريقة التي غطت بها وسائل الإعلام الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي حين مالت قناة "العربية" السعودية نحو تفسير موسكو للصراع، وحاولت قناة "سكاي نيوز عربية" في أبوظبي إبقاء تقاريرها محايدة، اتجهت شبكة "الجزيرة" القطرية إلى الموقف الغربي.
وفي الواقع، أصبحت قطر وزعيمها الأمير "تميم بن حمد آل ثاني" أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الخليج. ويعد الأمير القطري هو الزعيم الخليجي الوحيد الذي زار البيت الأبيض للقاء "بايدن" الذي أعلن قطر حليفا رئيسيا من خارج الناتو.
وإجمالا، لن تنحني الولايات المتحدة للابتزاز، لا سيما من الدول التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها حتى ضد ميليشيات مثل الحوثيين. في غضون ذلك، يلوح اتفاق نووي مع إيران في الأفق، وبالنظر إلى أن احتياطيات الغاز المشتركة لإيران وقطر تتجاوز احتياطيات روسيا، قد تفكر واشنطن في العمل مع طهران لتشديد الضغط على موسكو. ومن المحتمل أيضًا أن تكون إيران حريصة على العمل مع الولايات المتحدة لإنهاء أكثر من 4 عقود من العزلة السياسية والاقتصادية.