هاآرتس: الإمارات الباب الخلفي للاستثمار الإسرائيلي بشركات الجيش والمخابرات المصرية
على الرغم من استمرار النزعة المعادية لإسرائيل على المستوى الشعبي في مصر على نطاق واسع، فإن الصفقات الجديدة مع الشركات الإسرائيلية آخذة في النمو مع نظيرتها المصرية، والعديد منها مع شركات مرتبطة بالجيش أو مجتمع المخابرات.
هكذا خلص تقرير لصحيفة "هاآرتس" العبرية، الإثنين، قال إن إبرام هذه الصفقات لا يحدث في مؤتمرات استثمارية صاخبة، مثل التي تجرى بين أبوظبي وتل أبيب.
ولفت إلى أن "القاهرة تتعلم الدرس تدريجيا من نتائج الانفتاح الدولة الخليجية الوليد بعد إبرامها اتفاق إبراهام لتطبيع العلاقات بشكل كامل بين البلدين فى سبتمبر/ أيلول 2020".
ويعزز هذا التدافع المصري نحو تكثيف التعاون التجاري مع إسرائيل، الوضع الاقتصادي المتدهور في مصر، تحت ظل حكم الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، وفق الصحيفة.
وذكرت "هاآرتس"، أن هناك الكثير من المؤشرات على أن نظام "السيسي"، يريد تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، على نحو يتجاوز صفقة الغاز الطبيعي المبرمة بين البلدين قبل 4 سنوات، والتي تبلغ قيمتها 15 مليار دولار.
وأضافت أن علامات الرغبة المصرية الأكثر وضوحا تظهر فى قطاع السياحة، حيث بدأت شركة "مصر للطيران" المملوكة للحكومة، فى تسيير رحلات مباشرة إلى تل أبيب، بطائرات الشركة المصرية الرسمية، وليس تحت العلامة التجارية التابعة لها وهي شركة "طيران سيناء".
في وقت سابق من العام، أعطت الكنيسة القبطية في مصر تصريحًا رسميًا لأتباعها بالحج إلى القدس، بل أن وزارة السياحة المصرية تعرض قسمًا للتراث اليهودي على موقعها على الإنترنت، باعتباره حدثًا للزوار الإسرائيليين.
وفي غضون ذلك، تنمو صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر بسرعة.
وبدأ تدفق الغاز الأول في يناير/كانون الثاني 2020، عبر خط أنابيب سيناء، بنقل 5 مليارات متر مكعب سنويا.
وزاد هذا الرقم بما يصل إلى 50% منذ نهاية فبراير/شباط، عندما بدأ إرسال المزيد من الغاز عبر خط أنابيب يمر عبر الأردن.
وسوف يرتفع الرقم أكثر مع خطط زيادة قدرة خط أنابيب سيناء إلى 6.5 مليار متر مكعب.
ووفق الصحيفة، فقد استغرق الأمر من المصريين أكثر من 40 عامًا، لتستيقظ على ثمار تجربة التطبيع الإماراتي الكامل في أعقاب اتفاق "إبراهام"، حيث أدركت القاهرة أنها يمكنها الاستفادة هي الأخرى من العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل.
وفي هذا الصدد، يقول "حسين عبدالحسين" الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن، إن الحكومة المصرية تدرك أن العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل ستكون تنمية إيجابية صافية.
ويضيف: "لقد رأى المصريون نجاح الإمارات وإسرائيل، ويعتقدون أنه ينبغي عليهم السير على درب هذه التجربة لتحقيق مكاسب مماثلة".
وتحركت الإمارات بسرعة بعد اتفاق "إبراهام" لإقامة علاقات تجارية واستثمارية مع إسرائيل وبلغ حجم التجارة الثنائية فى العام الأول بعد توقيع الاتفاق 1.15 مليار دولار.
وفي وقت سابق هذا الشهر، أعلنت الإمارات وإسرائيل التوصل إلى اتفاق تجارة حرة بين البلدين، كما انطلق الاستثمار عبر الحدود بين البلدين بقيادة مبادلة للبترول بقيمة مليار دولار لشراء حصة في حقل تمار للغاز الإسرائيلي.
وفي المقابل، بلغ حجم التجارة الثنائية بين إسرائيل ومصر، بعيدا عن مجال الطاقة، 246 مليون دولار فقط العام الماضي، معظمها تصدير إسرائيل لمنتجات الشركات المصرية في إطار المناطق الصناعية المؤهلة التي ترعاها الولايات المتحدة.
وتسمح قواعد المناطق الصناعية المؤهلة للشركات المصرية بتصدير بضائعها معفاة من الرسوم الجمركية إلى الولايات المتحدة، طالما أن ما يزيد قليلاً عن 10% من قيمة المنتج، تم صنعه في إسرائيل.
وفي عام 2019، قبل أن يضع فيروس "كورونا" حدًا للسياحة، زار مصر حوالي 500 ألف إسرائيلي، لكن جميعهم تقريبًا يقضون عطلات شاطئية في منتجعات سيناء المعزولة التي يمكن الوصول إليها بالسيارة.
ويقوم عدد قليل من الإسرائيليين بجولة في بقية أنحاء مصر، وزار 8000 مصري فقط إسرائيل في عام 2019.
وذكرت الصحيفة، أن الخبراء يقولون الاختلاف بين تعامل الإمارات ومصر هو القبول والترحيب.
ففي حين أن الإماراتيين قبلوا إسرائيل بأذرع مفتوحة - الترحيب بالسياح الإسرائيليين واستضافة رجال الأعمال بشكل علني، على سبيل المثال- لا يزال انفتاح مصر على إسرائيل يمثل ظاهرة نخبوية.
ويقول "عبدالحسين"، إن المرحلة الحالية، يسجل الوعي بضرورة التغيير فى مصر أعلى مستوياته في الحكومة والقطاع الخاص، لكنه لم يتسرب إلى بقية السكان، الذين لا يزالون، لديهم شكوك قوية تصل للعداوة تجاه إسرائيل.
ويوضح أنه بالنظر إلى تلك المشاعر الشعبية فإن على الرغم من العلاقات التجارية مع إسرائيل، قد تنمو، إلا أنها لن تظهر للعلن كثيرًا، فلا توجد مؤتمرات استثمارية صاخبة أو بيانات صحفية تعلن عن صفقات، كما هو الحال في الإمارات.
ويعقب بأن ذلك يرجع إلى الرأي العام العدائي الشعبي في مصر، والذي يزداد سوءًا في كل مرة تصطدم فيها إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.
من جانبه، يرى "جابرييل ميتشل" مدير الدراسات الجامعية في مركز طنطور بجامعة نوتردام في القدس، إن المشاعر العامة داخل مصر ضد إسرائيل "عالية جدا"، ولن يتغير هذا في المستقبل المنظور، بالقدر الذي يرغبه "السيسي".
ويضيف أن النقابات المهنية القوية فى مصر، التي تنظم عمل الأطباء والمحامين وحتى الفنانين، هي مصدر رئيسي للمشاعر المعادية لإسرائيل.
ويتابع أنه حتى حتى لو تضاءل نفوذ الإخوان المسلمين (حظرهم السيسي قانونا)، في تلك النقابات المهنية، فمن المرجح أن يتم استدعاء أي شخص تابع للنقابات للتحقيق معه حال إذا قام بأي شيء يشبه التطبيع مع إسرائيل.
ويضاف إلى ذلك حالة الحذر التي لا تزال تسيطر على القطاع الخاص في مصر من أي شيء يتعلق بالتعامل مع إسرائيل، حسب "ميتشل".
ويوضح قائلا: "طالما أنهم غير محميين من قبل الحكومة أو مرتبطين بطريقة ما بالجيش أو مجتمع المخابرات، فإنه من الصعب جدًا على الشركات المصرية التعاون مع شركة إسرائيلية".
ويعقب: "لكن لا يعني ذلك أن هناك أي شيء مبني في النظام الاقتصادي يقاوم الأعمال التجارية مع إسرائيل، ولكن السبب يرجع فى المقام الأول للعوامل الاجتماعي، وخوف الشركات الخاصة من نظرة الشركاء المصريين وغيرهم في الشرق الأوسط".
ويتابع "لذلك فليس من المستغرب أنه في مارس/ آذار 2021، حضر الوفد الإسرائيلي إلى أكبر لقاء لرجال الأعمال الإسرائيليين والمصريين منذ عقدين بقيادة وزير المخابرات آنذاك إيلي كوهين، في شرم الشيخ وليس القاهرة".
ويذكر أن ذلك جاء بناءً على طلب المصريين، لم يحظ الاجتماع باهتمام إعلامي تقريبًا، وتم الإبقاء على الصفقات التي تم إبرامها بعيدا عن الإعلام.
وذكرت الصحيفة الإسرائيلية، أنه رغم العراقيل المذكورة في طريق تعزيز العلاقات التجارية المصرية الإسرائيلية، فإن لاينبغي الاستهانة بدور الجيش في الاقتصاد المصري.
ففي حين أن حجم ونطاق الإمبراطورية التجارية للجيش غامضان، لكن يُعتقد أنه يضم 60 شركة أو نحو ذلك، يبلغ حجم مبيعاتها السنوية 7 مليارات دولار، حسبما ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" العام الماضي.
وتنمو الشركات التابعة للجيش بسرعة تحت حكم "السيسي"، وتشمل الآن قطاعات واسعة من الاقتصاد، وتلعب شركات الجيش دور المقاول الرئيسي في بناء العاصمة الإدارية الجديدة البالغة 45 مليار دولار.
من الواضح أن شركة "إيست جاز"، التي تمتلك الحصة المصرية في خط الأنابيب الذي ينقل الغاز الإسرائيلي إلى مصر، تخضع لسيطرة المخابرات المصرية.
تأتي جهود "السيسي"، لتعزيز العلاقات التجارية مع إسرائيل في الوقت الذي تكافح فيه مصر لتوليد نمو اقتصادي كافٍ لخلق مليون وظيفة جديدة تحتاجها كل عام.
وفي الآونة الأخيرة، تضرر الاقتصاد بسبب حرب أوكرانيا، التي أوقفت الإمدادات الهامة من القمح المستورد.
وفي الشهر الماضي، انخفضت قيمة الجنيه المصري بنسبة 14%، مما سيؤدي إلى تفاقم التضخم.
وفي هذا الصدد، يقول "عبد الحسين": "في هذه المرحلة، يحاول السيسي وحكومته فعل أي شيء لإنجاح الاقتصاد".
ويضيف أن اتفاق "إبراهام" يغير المواقف أيضًا من خلال جعل العلاقات التجارية مع إسرائيل "أكثر قبولًا".
ويتابع أن "الإمارات تتسبب في تكامل اقتصادي إقليمي، وسواء كانت مصر أو الأردن، أو أي دولة أخرى، فمن مصلحتك أن تنضم إليهما والتقاط جزء من الثمار".
ويذكر "ميتشيل"، أن فرص العمل في الوقت الحالي ستقتصر على أهداف أسهل مثل السياحة في سيناء.
أما القطاعات الواعدة في مجالات مثل الزراعة وتكنولوجيا المياه، فتواجه مصر فيها تحديات هائلة.
ويقترح "ميتشيل" أن إحدى الطرق التي يمكن للشركات الإسرائيلية من خلالها دخول السوق المصرية، هي المشاريع المشتركة مع شركات إماراتية أو أوروبية.
ويرى أن الأجواء فى مصر تزداد دفئًا ببطء لصالح إسرائيل، طالما ظل "السيسي" في السلطة، ولكن الأمر سيستغرق وقتا.
ويضيف: "الكل يفهم هذا ويلتزم باتباع نهج طويل الأمد.. لدى إسرائيل الرغبة في تعزيز العلاقات الاقتصادية، وعادة ما تحب المضي قدمًا".
ويختتم: "لكن إسرائيل لها تاريخ طويل مع مصر وتدرك أن مصر تعمل وفق وتيرتها الخاصة فيما يتعلق بعلاقتهما الثنائية".