رويترز: محمد بن زايد يرى في إيران والإسلاميين تهديدا لطموح الإمارات
قاد "محمد بن زايد آل نهيان" الرجل القوي في الإمارات، والذي من المتوقع أن يصبح رئيسا لبلاده، عملية لتغيير التحالفات في الشرق الأوسط وأسس محورا جديدا معاديا لإيران مع إسرائيل وتصدى لتيار متصاعد من الإسلام السياسي في المنطقة.
حول "محمد" (61 عاما)، الذي اعتبر لسنوات الحاكم الفعلي للإمارات، جيش بلاده إلى قوة مزودة بتقنيات متطورة ما أدى، إضافة لثروة البلاد النفطية ووضعها كمركز للأعمال، إلى توسيع نفوذ الإمارات على الساحة الدولية.
بدأ "محمد" في توسيع نطاق سلطاته في فترة عانى فيها أخوه غير الشقيق، الشيخ "خليفة بن زايد" رئيس الإمارات الذي توفي الجمعة، من اعتلال صحته إثر إصابته بجلطة في 2014.
تقول سفيرة الولايات المتحدة السابقة في الإمارات، "باربرا ليف" إن محمد بن زايد كان مدفوعا "برؤية معينة" ملخصها أن قادة دول الخليج العربية لم يعد بمقدورهم الاعتماد على الولايات المتحدة داعمهم الرئيسي خاصة بعد أن تخلت واشنطن عن رئيس مصر "حسني مبارك" خلال انتفاضات الربيع العربي في 2011.
ووفقا لمذكرات الرئيس الأمريكي السابق، "باراك أوباما" الذي كان رئيسا وقتها، فقد أصدر "محمد" من العاصمة أبوظبي تحذيرا "هادئا وباردا" لـ"أوباما" من مغبة دعم انتفاضات قد تنتشر وتهدد عروش الأسر الحاكمة في منطقة الخليج. وتصف مذكرات "أوباما" تلك الشيخ "محمد" بأنه الزعيم "الأكثر دهاء" في الخليج.
ووصفه مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية يخدم حاليا في إدارة الرئيس الأمريكي، "جو بايدن"، التي تدهورت علاقاتها بالإمارات في الأشهر القليلة الماضية، بأنه استراتيجي يضفي على المناقشات منظورا تاريخيا.
وقال المسؤول: "يتحدث ليس فقط عن الحاضر، بل يعود لسنوات ولعقود وفي بعض الأحيان يتحدث عن التوجهات على مر الزمن".
"محمد بن زايد" دعم إطاحة الجيش في 2013 بالرئيس المصري المنتخب وقتها "محمد مرسي" المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وساند ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" لدى تقلده المنصب في 2017 ووصفه بأنه رجل يمكن لواشنطن أن تتعامل معه والوحيد القادر على أن يحقق انفتاح المملكة.
سعى الزعيمان الخليجيان اللذان شجعهما وجود علاقات دافئة مع الرئيس الأمريكي آنذاك "دونالد ترامب"، لحشد الدعم لحملة واشنطن لممارسة أقصى الضغط على إيران وفرضا مقاطعة على قطر المجاورة لدعمها جماعة الإخوان المسلمين وشنا حربا مكلفة في محاولة لكسر قبضة الحوثيين المتحالفين مع إيران على اليمن.
وتدخلت الإمارات في صراعات بأنحاء المنطقة من الصومال إلى ليبيا والسودان قبل أن تخرج على إجماع عربي قائم منذ عقود وتقيم علاقات مع إسرائيل في 2020 هي والبحرين بموجب اتفاقات بوساطة أمريكية عرفت باسم "اتفاقات إبراهيم"، ما أثار غضب الفلسطينيين.
يقول دبلوماسي إن تلك الاتفاقات كانت مدفوعة بمخاوف مشتركة من إيران، كما كانت أيضا مدفوعة بجني منافع مفترضة لاقتصاد الإمارات وبسأم من القيادة الفلسطينية "التي لا تستمع".
بين الاستراتيجية والتكتيك
في حين يرى دبلوماسيون ومحللون أن التحالف مع الرياض وواشنطن ركيزة لاستراتيجية الإمارات، فإن الشيخ "محمد بن زايد" لم يتردد في التحرك المستقل عندما فرضت ذلك المصالح أو الأسباب الاقتصادية.
وكشفت الأزمة الأوكرانية عن تصدعات في العلاقات مع واشنطن بعد أن امتنعت الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن على مشروع قرار يدين الغزو الروسي.
وبصفتها دولة منتجة للنفط إلى جانب الدولة الكبرى المنتجة للخام وهي السعودية، رفضت الإمارات أيضا نداءات غربية من أجل زيادة الإنتاج.
وتجاهلت أبوظبي أيضا مخاوف أمريكية من قيامها بتسليح ومساندة "خليفة حفتر" في ليبيا ضد الحكومة المعترف بها دوليا، وكذلك التعامل مع الرئيس السوري "بشار الأسد".
ومع الرياض جاء الخلاف الأكبر عندما انسحبت الإمارات بشكل كبير من اليمن بعد أن تحولت الحرب التي لا تلقى تأييدا شعبيا، والتي قتل فيها أكثر من مئة إماراتي، إلى مأزق عسكري.
وعندما تحلل الرئيس السوداني، "عمر حسن البشير" من وعد بالتخلي عن حلفائه الإسلاميين، نسقت أبوظبي انقلاب عام 2019 الذي أطاح به.
الاستقرار أولا
على الرغم من أنه يقول إنه انجذب إلى أيديولوجيتهم الإسلامية في صغره، لكن الشيخ "محمد بن زايد" صور جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها أحد أخطر التهديدات للاستقرار في الشرق الأوسط.
ومثل السعودية، تتهم الإمارات الإخوان المسلمين بالخيانة بعد أن آوت أعضاء مضطهدين في مصر في الستينات وذلك بأن سعوا من أجل التغيير في البلدان المضيفة لهم.
وذكر موقع "ويكيليكس" أن الشيخ "محمد" قال في اجتماع في عام 2007 مع مسؤولين أمريكيين "أنا عربي ومسلم وأُصلي. وفي السبعينات وأوائل الثمانينات كنت واحدا منهم. أعتقد أن هؤلاء الرجال لديهم أجندة".
وتلقى الشيخ "محمد" تعليمه في الإمارات وكلية الضباط العسكريين في ساندهيرست في بريطانيا، وزاد ارتيابه في الإسلاميين بعد عام 2001، عندما كان اثنان من مواطنيه من بين الخاطفين الـ19 الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة.
وقال دبلوماسي آخر: "نظر حوله ورأى أن كثيرا من جيل الشباب في المنطقة منجذبون بشدة لشعار أسامة بن لادن المناهض للغرب.. وكما قال لي ذات مرة: إذا كان بإمكانهم فعل ذلك بكم، فيمكنهم فعله بنا".
وعلى الرغم من سنوات العداء، فقد اختار الشيخ "محمد" التحاور مع إيران وتركيا في الوقت الذي حوّلت فيه جائحة "كوفيد-19" والمنافسة الاقتصادية المتزايدة مع السعودية التركيز إلى التنمية، مما دفع الإمارات نحو مزيد من التحرر مع مواصلة كبح المعارضة السياسية.
وينظر إلى الشيخ "محمد" في الداخل باعتباره رائدا للتحديث، كما يعتبره العديد من الدبلوماسيين رجلا محبوبا من شعبه يتمتع بشخصية جذابة، وقد روج بإصرار لأبوظبي، التي تحوز الثروة النفطية الإماراتية، من خلال تحفيز التنمية في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا.
وبصفته نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ينسب إليه الفضل في تحويل الجيش الإماراتي إلى واحد من أكثر القوات المسلحة فاعلية في العالم العربي، وذلك وفقا لخبراء يقولون إنه أسس الخدمة العسكرية لغرس الوطنية بين السكان الأثرياء.
وقال مصدر مقرب من "محمد بن زايد": "إنه لا يحب المراوغة... يريد أن يعرف ما الذي لا يعمل بشكل جيد، وليس فقط ما الذي يعمل".