إندبندنت: بريطانيا تخرج حقوق الإنسان والحرية من اتفاقيات التجارة مع دول الخليج
نشرت صحيفة “إندبندنت” تقريرا أعده جون ستون قال فيه إن الحكومة البريطانية ألغت خطة تؤكد فيها على حقوق الإنسان في عقودها التجارية بمرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، بريكسيت. وقال إن الحكومة ستتعامل مع حقوق الإنسان كموضوع مختلف عن المفاوضات التجارية.
وكشفت رسالة من وزيرة التجارة أن الحكومة لن تقوم بنشر وفرض حقوق الإنسان حول العالم. وفي رسالة إلى نواب مجلس العموم قالت آن تريفيليان، وزيرة التجارة الدولية إن حقوق الإنسان لن تكون جزءا في المحادثات لاعتقادها أن “حرية التجارة ليست الأداة الفعالة أو المستهدفة لنشر قضايا حقوق الإنسان”.
وقالت إن التغير في النهج يأتي في وقت تحاول فيه بريطانيا توقيع اتفاقيات تجارية مع دول الخليج، بما فيها السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، وهي دول معروفة بسجلها الفقير في حقوق الإنسان. وأخبرت تريفليان في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي مجلس العموم أن التجارة لن “تأتي على حساب حقوق الإنسان” وأن المحادثات بشأن اتفاقيات تجارة حرة ستخلق “فرصة للنقاشات” حول هذه الموضوعات.
ومنذ بداية تشرين الأول/أكتوبر عام 2020، أكدت ليز تراس المتوقع أن تصبح رئيسة الوزراء في خطاب مهمة على أهمية موقف بريطانيا من “التجارة القائمة على القيم” وأنها ستستخدم “لنشر قيمنا الأساسية” مثل حقوق الإنسان حول العالم. إلا أن الصدوع بدأت تظهر في هذا النهج في حزيران/يونيو عندما عبر النواب عن مخاوفهم من تخلي الحكومة وبهدوء عن “حقوق الإنسان” و”حكم القانون” من قائمة الأهداف المقترحة في المحادثات التجارية مع مجلس التعاون الخليجي.
وكتبت وزيرة التجارة الدولية، هذا الأسبوع إلى النواب رسالة شرحت فيها سياسة مختلفة عن تلك التي دعت إليها الحكومة. وفي رسالة مؤرخة بـ 23 آب/أغسطس واطلعت عليها الحكومة جاء: “تعتبر بريطانيا دولة رائدة من أجل حقوق الإنسان حول العالم ولا تزال ملتزمة بنشر حقوق الإنسان العالمية” و”في داخل الحكومة، يقود المسؤولون في الخارجية والكومنولث هذا الجهد. ويتم هذا العمل بطريقة منفصلة عن اتفاقيات التجارة”.
وأَضافت: “في وقت يمكن أن تقدم فيه ملامح السياسة فرصة لمعالجة القضايا الأخرى في العلاقات الثنائية، إلا أن اتفاقيات حرية التجارة ليست الأداة الفعالة والمستهدفة لدفع قضايا حقوق الإنسان”. وأثار الكشف ردود فعل غاضبة من ناشطي حقوق الإنسان الذين قالوا إن التخلي عن حقوق الإنسان سيعطي عونا للمستبدين. وقال سيد أحمد الوادعي، مدير معهد البحرين لحقوق الإنسان والديمقراطية “يؤكد هذا الرد من وزيرة التجارة أكبر مخاوفنا من أن حقوق الإنسان لن تتردد حتى على الشفاه في اتفاقيات التجارة مع الخليج”. وأضاف “في الحد الأدنى، سيشعر الديكتاتوريون بالراحة عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان التي لن تكون حاضرة على الطاولة”.
ويقول بيتر فرانكتال، من أمنستي إنترناشونال ومدير الشؤون الاقتصادية إن الحكومة تقوم بإرسال “رسائل رهيبة للدول الأخرى” بشأن “عدم اهتمام بريطانيا بحقوق الإنسان والحريات عندما تكون اتفاقيات التجارة على المحك”. وأضاف “أي فكرة بكون التجارة خالية من حقوق الإنسان فإنها تتجاهل الحقيقة البشعة وهي أن الشركات المتعددة عادة ما تنتفع من قوانين العمالة المتساهلة والظروف التي تصل إلى حالة الرق الحديث وانتهاك واسع للبيئة”. و”مرة أخرى فلدينا سياسة تسير بشكل مضاد مع أهداف السياسة الخارجية البريطانية المعلنة والداعية للانفتاح وحرية التعبير وتقليل النزاعات والتدهور البيئي ووقف كل أشكال الرق”.
وتشير الصحيفة إلى أن اتفاقيات التجارة الحرة الموقعة مع الدول حول العالم، مثل تلك التي وقعتها بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي تحتوي على بنود تؤكد التزاما بالمعايير الأساسية لحقوق الإنسان، وببنود تجعلها قانونية وقابلة للتنفيذ. وتؤكد البنود من الناحية الأخلاقية أهمية عدم تجاوز الدول لها من خلال خرق حقوق الإنسان والاستغلال من خلال استعباد العمال بشكل فعلي. إلا أن بريطانيا تبحث وبيأس عن اتفاقيات تجارة حرة مع دول حول العالم، لكي تظهر أن خروجها من الاتحاد الأوروبي نفعها، مع أن حقوق الإنسان هي نقطة رئيسية في الدول التي تريد توقيع اتفاقيات التجارة معها.
وفي العام الماضي أخبر دومينيك راب المسؤولين أن “تقييد” التجارة بسبب معايير حقوق الإنسان يعني “أننا لن نوقع اتفاقيات تجارة مع السوق المتنامي في المستقبل”. ويأتي التحول في نهج العلاقات التجارية على طرف النقيض من تصريحات الوزراء السابقة ومحاولتهم توقيع اتفاقيات تجارة حرة. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2020 قالت وزيرة التجارة في حينه ليز تراس في خطاب مهم ألقته بتشاتام هاوس، لندن وبشرت فيه بتجارة تقوم على القيم، إن بريطانيا تتعلم من أخطاء العولمة والحماية الخالية من القيم. وهي بدلا من ذلك “تدعم نهج تجارة عالمية حرة تقوم على قيمنا وسيادتنا وديمقراطيتنا وحكم القانون والالتزام القوي بالمعايير العليا”. و”بالسيطرة على مستقبل تجارتنا، فإننا سنعمل مع الديمقراطيات المثيلة لدعم الحرية وحقوق الإنسان والبيئة وتقوية التجارة في الوقت نفسه من خلال تخفيض حواجز التجارة”.
وقالت “لم تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لكي تتبنى قيم دولة أخرى تفرض علينا. وسندعم العولمة الصحيحة والتي تقوم على القيم المشتركة ونحن نقوم بقيادة القتال من أجل الأسواق والمجتمعات الحرة وحقوق الإنسان والعالم الأخضر”. وأكدت تراس التي في طريقها لكي تصبح رئيسة الوزراء في أقل من أسبوعين أن القيم البريطانية التي تهدي التجارة معروفة. و”يعرف أصدقاؤنا كيف أخرجت ودفعت بالقصة البريطانية، وسواء عادوا للوراء ودعم حقوق الإنسان في ظل ماغنا كارتا، وإلغاء العبودية أو تطوير الأسواق الحرة”. وقالت “يحرص الشعب البريطاني على الإنصاف والصدق والحرية، وسنكون قادرين على نشر القيم الأساسية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية بيئتنا من خلال العمل مع أصدقائنا وعائلتنا حول العالم”.
وبدا أن التزام الحكومة بحقوق الإنسان هو مجرد كلام. فقد سألت النائبة كات سميث الوزيرة تريفليان “ما هي النقاشات التي قمت بها مع شركاء بريطانيا التجاريين حول إدخال حقوق الإنسان في الصفقات؟”، أجابت “الحكومة واضحة أن المزيد من التجارة لن يأتي على حساب حقوق الإنسان، وستواصل بريطانيا تقديم القيادة العالمية لكل الدول من أجل أن تلتزم بواجبات حقوق الإنسان وتحاسب من يخرقون الحقوق.
وفي رد على سؤال آخر من النائب المحافظ بيتر بون، قالت “من المهم التأكيد على أننا نستخدم قوة التجارة لبناء علاقات، وكما قلت، بناء تجارة نريد العمل عليها عالميا وتوفير سلاسل توريد وأفضل وسائل الحماية يمكن أن توفر السلطة للدول حيث يعتبر تحسين سلاسل التوريد مهما لحماية حقوق الإنسان”.
وفي رد على سؤال حول الرسالة المسربة من تريفليان قال المتحدث باسم الحكومة “تعتبر بريطانيا المدافع الرائد عن حقوق الإنسان في العالم، وتقود وزارة الخارجية والكومنولث جهود الحكومة”. إلا أن سارة أولي، المتحدثة في الشؤون التجارية بحزب الليبراليين الديمقراطيين قالت “من الواضح جدا أن حكومة المحافظين هذه لا تهتم إلا قليلا بحقوق الإنسان على المسرح الدولي”. وبعد فشلها بالالتزام بقضايا الرفق بالحيوان وحماية البيئة في اتفاقية التجارة الحرة مع أستراليا، فهي تنزلق للحضيض وهي تحاول استكمال اتفاقية تجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي، ويبدو أنها لا تشير إلى سجلها الصارخ في حقوق الإنسان. (عن القدس العربي)