بينهم وزير الدفاع السابق.. هكذا تعتمد الإمارات على خبرة المتقاعدين الأمريكيين لتعزيز جيشها
كشف تحقيق أمريكي موسع، الأربعاء، عن وثائق تثبت أن الإمارات أصبحت السوق الأكثر سخونة لتوظيف العسكريين المتقاعدين بالولايات المتحدة، مشيرة إلى أن 280 عسكريا أمريكيا متقاعدا سعوا، خلال السنوات الأربع الماضية، للحصول على إذن فيدرالي للعمل في الدولة الخليجية.
وأوردت الوثائق، التي حصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست" بموجب قانون حرية المعلومات، أن عديد المتقاعدين الأمريكيين عملوا كمقاولين عسكريين أو مستشارين للمسؤولين الإماراتيين، ومن بينهم الجنرال البحري المتقاعد "جيم ماتيس"، الذي كان مستشارا عسكريا لأبوظبي قبل أن يصبح وزيرا للدفاع في إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب".
ونوهت الصحيفة إلى أن أغلب المقاولين والمستشارين العسكريين الأمريكيين بالإمارات حصلوا على موافقة وزراتي الدفاع (البنتاجون) والخارجية، وساهمت خدماتهم في بناء الجيش الذي يعده كثير من الخبراء الأقوى في المنطقة العربية.
لكن ذلك كان نقمة على الولايات المتحدة بقدر ما كان نعمة لها، إذ ظلت أبوظبي شريكا وثيقا لواشنطن من جانب، فيما شجعتها "عضلاتها العسكرية الجديدة" على إرسال قوات إلى اليمن وليبيا، ما أشعل فتيل الحرب الأهلين في كلا البلدين.
كما شجعت القوة العسكرية المتزايدة أبوظبي على تحدي الولايات المتحدة على صعيد سوق النفط، إذ أيدت قرار تكتل منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها "أوبك+" بخفض كبير للإنتاج، يصل إلى مليوني برميل يوميا، ابتداءا من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي السياق، تقول الأستاذة بكلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون، المتقاعدة من سلاح الجو الأمريكي "جودي فيتوري"، إن "الإماراتيين اكتسبوا نفوذا يفوق وزنهم، واستخدموا ذلك لتقويض السياسة الخارجية الأمريكية.
وتشير تقديرات المحللين أن المئات من قدامى المحاربين الأمريكيين يعملون حاليا لدى الحكومة الإماراتية أو الشركات المملوكة لها، إذ لا يتعين على الأمريكيين الذين خدموا أقل من 20 عاما الحصول على إذن فيدرالي لتولي وظائف أجنبية.
ومنذ الربيع العربي عام 2011 استعانت القوات المسلحة الإماراتية وشركات الدفاع المملوكة للحكومة بمقاولين عسكريين أمريكيين من جميع المستويات من خلال عرض ضعف أو 3 أضعاف الراتب والحوافز التي يتلقونها في الولايات المتحدة.
وتكشف وثائق "واشنطن بوست" أن الإمارات وظفت أمريكيين للمساعدة في إدارة كل جزء تقريبًا من آلتها العسكرية؛ حيث يعملون كمستشارين إستراتيجيين، وطيارين مدربين، ومشغلي طائرات بدون طيار، وخبراء دفاع صاروخي، وكذلك مدربي مدفعية، ومتخصصين في الرادار، ومستشارين للأمن السيبراني، ومخططين لوجستيين ومشرفين على الصيانة، ومعظمهم من قدامى المحاربين في القوات الجوية والجيش الأمريكي، كما أن ثلثهم تقريبا من الضباط المتقاعدين.
وحصل معظم الأمريكيين على تلك الوظائف عبر شبكة من مقاولي الدفاع تسيطر عليها حكومة الإمارات، على رأسها شركات تابعة لـ "إيدج"، وهي مجموعة دفاعية مملوكة للدولة، تبلغ إيراداتها السنوية 5 مليارات دولار.
وتحافظ الإمارات على سرية الكثير من المعلومات حول قواتها المسلحة، لكن عديد المحللين يقدرون أن الإمارات تنفق 22 مليار دولار سنوياً على الدفاع، وهو ما يعادل الرقم الذي تنفقه تركيا.
ووفقًا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) فإن القوات المسلحة الإماراتية لديها 65000 جندي في الخدمة الفعلية، على غرار كندا وأستراليا، وتعتمد على الأجانب بشكل كبير، إذ تصل نسبتهم إلى 40% من الأفراد النظاميين، حسبما نقلت الصحيفة الأمريكية أستاذ الدراسات الأمنية في كينغز كوليدج لندن، "أندرياس كريغ".
وإلى جانب توظيف الأمريكيين كمتعاقدين مدنيين؛ يملأ الجيش الإماراتي صفوفه النظامية بآلاف الأجانب من بلدان أخرى، على رأسها باكستان وعمان واليمن، في حين يتم تجنيد آخرين من أماكن بعيدة مثل شرق أفريقيا وأمريكا الجنوبية. ويقود لواء أسترالي سابق الحرس الرئاسي الإماراتي، الذي يضم 12 ألف جندي من قوات النخبة.
وفي السياق، سلطت الصحيفة الأمريكية الضوء على "ستيفن توماجان"، وهو مقدم متقاعد خدم 20 عامًا في الجيش الأمريكي، ويعمل قائداً لوحدة طيران العمليات الخاصة الإماراتية، المسماة المجموعة 18، ثم تولى فيما بعد قيادة قوة "الطيران المشتركة" في الإمارات.
وتحظر اللوائح الفيدرالية على الأفراد العسكريين المتقاعدين وكذلك جنود الاحتياط من أداء قسم الولاء لحكومات أخرى أو تولي وظائف بالزي الرسمي في الجيوش الأجنبية، ما أثار جدلا حول "توماجان" وما إذا كان ضابطاً بالزي الرسمي في الجيش الإماراتي، خاصة بعدما أدرج هو وحكومة الإمارات لقبه ورتبته في المواقع الإلكترونية الرسمية باسم "سعادة اللواء ركن طيار ستيفن أ. توماجان"، كما تم نشر صور له وهو يرتدي بذلة طيران عليها علم الإمارات.
وإزاء ذلك، حقق مسؤولو الجيش الأمريكي في انتماء "توماجان" إلى الإمارات بعد أن قدم طلب توظيف أجنبي إلى البنتاجون في عام 2014.
وقالت المتحدثة باسم الجيش "سينثيا سميث"، في رسالة بريد إلكتروني إلى "واشنطن بوست"، إن المسؤولين يرون أن "توماجان انتهك القانون بقبوله لقباً أجنبياً وبارتداء الرتبة العسكرية للقوات المسلحة الإماراتية".
ثم عادت "سميث" لتؤكد أن "الجيش لم يقم بوقف معاش توماجان التقاعدي ولم يعاقبه بطريقة أخرى لأنه لم يتمكن من إثبات أنه تلقى أي أموال من حكومة الإمارات"، ورفضت توضيح أو شرح التناقض الواضح في النتائج التي توصل إليها المحققون.
فيما لم يستجب "توماجان" لطلبات إجراء مقابلة حول الأمر، ويشغل اليوم منصب المدير العام للمركز الوطني للبحث والإنقاذ في الإمارات، ويتحدث علنًا عن علاقته الوثيقة مع رئيس الإمارات "محمد بن زايد".
وإلى جانب "توماجان"، سلطت "واشنطن بوست" الضوء على وزير الدفاع السابق "جيم ماتيس"، الذي يشير إلى الإمارات باسم "إسبرطة الصغيرة" بسبب براعتها في الحرب.
ففي يونيو/حزيران 2015، وبعد عامين من تقاعده من سلاح مشاة البحرية، تقدم "ماتيس" بطلب للحصول على تفويض فيدرالي "لقبول العمل المدني مع الإمارات كمستشار عسكري"، ووافقت قوات المارينز ووزارة الخارجية على طلبه في أغسطس/آب 2015، وفقاً للوثائق التي حصلت عليها الصحيفة الأمريكية.
ومن غير الواضح كم من الوقت شغل "ماتيس" الوظيفة، إذ عاد إلى الخدمة الحكومية الأمريكية كوزير دفاع بإدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" في يناير/كانون الثاني 2017.
لكن طبيعة عمل وزير الدفاع الأمريكي السابق حددها الرئيس المشارك لمجموعة كوهين الاستشارية في واشنطن، "روبرت تيرر"، التي يعمل فيها "ماتيس" كمستشار، إذ ذكر أن وزير الدفاع السابق قدم استشارات للإماراتيين بشأن "الجوانب التشغيلية والتكتيكية والإعلامية والأخلاقية" للعمليات العسكرية.
وفي مارس/آذار 2019، وبعد شهرين من مغادرته البنتاجون، تقدم "ماتيس" مرة أخرى بطلب للحصول على موافقة لقبول توظيفه من جانب الحكومة الإماراتية كمتحدث مميز في مؤتمر حول العلاقات الأمريكية الإماراتية استضاف "محمد بن زايد".
و"ماتيس" ليس الجنرال الوحيد الذي ذهب للعمل في الإمارات بعد فترة وجيزة من ترك الخدمة الحكومية، وفقاً للوثائق، فـ "تشارلز إف بولدن جونيور"، اللواء المتقاعد من مشاة البحرية ورائد الفضاء، الذي خدم كمسؤول في وكالة ناسا خلال إدارة "أوباما"، سافر إلى أبوظبي في يونيو/حزيران 2016، لتوقيع اتفاقية تعاون بين ناسا ووكالة الفضاء الإماراتية، كما ألقى محاضرة حول مهمة ناسا إلى المريخ لجمهور من الشخصيات المرموقة، من بينهم "محمد بن زايد" نفسه.
وبعد 9 أشهر من انتهاء عمله كرئيس لناسا في ولاية بولدن، تقدم "جونيور" بطلب للحصول على موافقة اتحادية للعمل كمستشار لوكالة الفضاء الإماراتية، وقال في طلبه إن الوكالة ستدفع له مقابل حضور اجتماعين للمجلس الاستشاري سنوياً.
وهنا تشير "واشنطن بوست" إلى أن سلاح مشاة البحرية الأمريكية ووزارة الخارجية وافقا على طلب "جونيور"، لكنهما حذفا التفاصيل المالية من الوثائق، مشيرين إلى حقه في الخصوصية.
وبينما احتفظ البنتاجون بسرية رواتب الجنرالات والأدميرالات، كشف عن رواتب الضباط من ذوي الرتب الدنيا والأفراد المجندين، ما كشف أن "الإماراتيين يدفعون بشكل جيد".
وتظهر السجلات أن الموظفين الأمريكيين المتقاعدين الذين ينتقلون إلى الإمارات غالبًا ما يتلقون بدل سكن ومواصلات من خمسة أرقام، بينما يستمرون في تحصيل معاشاتهم التقاعدية العسكرية الأمريكية.
أما أولئك الذين لديهم مهارات متخصصة أو درجات متقدمة فيحصلون على أرقام أكبر، ومنهم "شون كونورز"، قائد البحرية المتقاعد، الذي حصل على إذن اتحادي في عام 2019 لتولي وظيفة براتب 600 ألف دولار سنويًا كنائب للرئيس في شركة نواة للطاقة، وهي شركة مملوكة للدولة الإماراتية قامت ببناء أول محطة للطاقة النووية المدنية.
كما تظهر الوثائق أن "توماس دروهان"، الأستاذ في أكاديمية القوات الجوية الأمريكية، تم استدراجه إلى الإمارات براتب 240 ألف دولار وبدل سكن 49 ألف دولار، كما انتقل "دانيال بالتروسيتيس"، وهو كولونيل متقاعد بالقوات الجوية، إلى أبوظبي ليصبح عميدًا للكلية، براتب 338.000 دولار و 53.200 دولار في امتيازات الإسكان.
وتظهر الوثائق أيضا أن الموظفين المجندين السابقين الذين يعملون في الإمارات يمكنهم أيضًا جني أموال ممتازة، حيث يكسب الميكانيكيون واللحامون 100 ألف دولار أو أكثر سنويًا.
لكن كيف يتم تجنيد كل هؤلاء؟ تشير الصحيفة الأمريكية في إجابة السؤال إلى شركة "نوليدج بوينت" للاستشارات، وهي واحدة من أهم شركات توظيف المواهب الأمريكية، ومقرها أبوظبي.
ففي عام 2010، أنشأت "نوليدج بوينت" شركة تابعة لها مكتبا في ولاية فرجينيا، وأعلنت عن عشرات الوظائف المفتوحة مع الجيش الإماراتي كمستشارين ومخططين استراتيجيين كبار، والتي تولاها لاحقا جنرالات الجيش الأمريكي المتقاعدين حديثا، وكثير منهم كانوا يبحثون عن عمل بعد الخدمة في حروب العراق وأفغانستان.
من بين هؤلاء "جيمس تشامبرز"، الذي أشرف سابقاً على اللوجستيات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث قاد فريقاً قدم المشورة للقيادة اللوجستية المشتركة لدولة الإمارات من 2018 إلى 2020.
وتظهر الوثائق أنه منذ عام 2015، وظفت الشركة المملوكة لدولة الإمارات أكثر من 100 من الأفراد العسكريين الأمريكيين المتقاعدين، معظمهم من قدامى المحاربين في القوات الجوية والجيش من ذوي الخلفيات الجوية.
وهنا تشير "واشنطن وست" إلى سجل الجيش الإماراتي في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بينها تعذيب اليمنيين في سجون سرية وإرسال قوات وأموال ودعم للقائد العسكري الليبي "خليفة حفتر" في ليبيا إلى جانب تمويل المرتزقة بمجموعة "فاجنر" الروسية، والتجسس على المعارضين نيابة عن الرياض، ومنهم الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي"، الذي قتل داخل القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية عام 2018.
واعتبرت الصحيفة أن توحش انتهاكات الجيش الإماراتي يعود بالأساس إلى تعزيزه قدراته من جانب المتقاعدين الأمريكيين بشكل كبير.