مئات الأطنان من ذهب مالي الفقيرة تذهب للإمارات سرا

مئات الأطنان من ذهب مالي الفقيرة تذهب للإمارات سرا

كشف تقرير مطول نشره مشروع الشرق الأوسط للبحوث والمعلومات (MERIP) عن تدفقات ضخمة وغير مشروعة للذهب من مالي إلى الإمارات، وبالتحديد دبي، وهي تدفقات يقول المشروع إنها لم تمر على الحكومة المالية، ومعظمها قادم مما يعرف بـ"المناجم الحرفية"، والتي لا تسيطر باماكو على معظمها.

وأوضح التقرير، الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أن مالي تشهد طفرة في إنتاج الذهب، مع ارتفاع أسعاره عالميا، حيث تضاعف الإنتاج الصناعي لمالي، وهي تقترب الآن من 70 طنا منتجا من الذهب سنويا.

وحل الذهب محل القطن باعتباره أكبر صادرات مالي، وأصبح البلد ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا.

وفي حين أن هذه الأرقام يجب أن تترجم إلى زيادة ضخمة في إيرادات الحكومة المالية التي تعاني من ضائقة مالية، فإن حصة هائلة من الذهب في مالي تختفي من البلاد من خلال التدفقات غير المشروعة، بحسب التقرير.

ويضيف المركز أن هناك الذهب الذي تنتجه الشركات الصناعية العالمية في مالي، وهو خاضع للضريبة ويمكن تتبعه، لكن هناك كميات ضخمة من الذهب تنتج أيضًا من قبل عمال المناجم الحرفيين، الذين يتدفق معظم إنتاجهم من البلاد عبر شبكات سرية تتهرب من الضوابط التنظيمية أو المالية للدولة.

وبحسب التقرير، يبدو أن الوجهة الأساسية للذهب الحرفي المهرب من مالي هي الإمارات العربية المتحدة.

ويردف: "بكل الأدلة، فإن الذهب الذي يلمع في أسواق دبي هو نتاج شبكة معقدة من الشبكات الإجرامية والجماعات الإرهابية والأنظمة التي تستخدم هذا الذهب المستخرج يدويًا لغسل أموالها".

ووفقًا للإحصاءات المالية الرسمية، يتم إنتاج غالبية الذهب في مالي بواسطة شركات صناعية تقع في 13 موقعًا عبر المناطق الجنوبية والغربية من البلاد.

ونظرًا لأن مالي تفتقر إلى رأس المال لتطوير هذه المواقع، يتم تشغيلها من قبل عدد صغير من شركات التعدين متعددة الجنسيات التي يقع مقرها الرئيسي في كندا وأستراليا وجنوب إفريقيا والمملكة المتحدة، والتي لديها تصاريح من الحكومة المالية لاستخراج خامها.

وفي عام 2020، أبلغت الشركات الصناعية عن إنتاج 65.2 طنًا متريًا من الذهب، وهو ما يمثل حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

يتطلب قانون التعدين في مالي مراقبة عمليات وتمويل هذه الشركات من قبل الحكومة المالية، حيث يجب على الشركات دفع 20-25% من عائداتها إلى الخزانة المالية، وتذهب حصة أصغر بكثير إلى صندوق التنمية الذي تم إنشاؤه في عام 2012 لفائدة المجتمعات التي تستضيف عمليات التعدين.

في عام 2021 وحده، ورد أن وزارة المناجم المالية جمعت ما يقرب من 1 مليار دولار من الضرائب من إنتاج الذهب الصناعي.

وبالإضافة إلى هذه المواقع الصناعية، تنتشر المئات من المناجم "الحرفية" الأصغر حجمًا في جميع أنحاء البلاد. المناجم الحرفية - التي شهدت ارتفاعًا كبيرًا منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين - تستلزم المزيد من العمالة ورأس مال أقل وإشراف أقل.

ووفقًا للأرقام الرسمية، فإن الدور الذي تلعبه المناجم الحرفية في إنتاج الذهب في البلاد ضئيل على مدار السنوات العديدة الماضية، حيث سجلت الحكومة المالية ما يقرب من أربعة إلى ستة أطنان من الذهب الحرفي المستخرج سنويًا، أي أقل من 10% من الإنتاج الصناعي السنوي لمالي.

لكن هناك أسباب للاعتقاد بأن إنتاج الذهب الحرفي أعلى بكثير في مالي، حيث قدر المسؤولون الماليون بشكل خاص أن الرقم يتراوح بين 30-50 طنًا، في حين قدرت تقرير صحفي استقصائي حديث من "فرانس 24" أن ما لا يقل عن نصف الذهب المالي، أي أكثر من 60 طنًا، يأتي من مناجم حرفية.

ووفق التقرير، فإن السبب الأكثر إلحاحًا للشك في الأرقام المالية الرسمية للإنتاج الحرفي هو أن الدول الأخرى تدعي أنها تستورد كميات أكبر من الذهب من مالي مما تدعي مالي أنها تنتجها.

ووفقًا لقاعدة بيانات الأمم المتحدة "Comtrade"، وهي أداة تجميع عبر الإنترنت لإحصاءات التجارة الدولية، اشترت الإمارات ما يقرب من 81 طنًا من الذهب من مالي في عام 2019.

وبالمقارنة، في نفس العام، أفادت الحكومة المالية بتصدير نصف طن فقط إلى الإمارات، والفارق يبدو هائلا بالفعل.

ويقول التقرير إنه من بين منتجي الذهب الأفارقة، لا تمثل مالي استثناءً. فمنذ عام 2016، سجلت الإمارات شحنات ذهب من عدة دول أفريقية، بما في ذلك ليبيا وغانا والسودان وتنزانيا، أكثر مما أفادت تلك الدول بالتصدير.

باختصار، بدأ الذهب من مناطق الصراع في شرق ووسط إفريقيا مؤخرًا في إغراق أسواق دبي، ويُعتقد أن تهريب الذهب من مناطق الصحراء والساحل في إفريقيا أكبر بكثير من تهريبه من المناطق الأخرى في القارة، بحسب التقرير.

كيف تتم عملية التهريب؟

وفقا للتقرير، يشتري تجار في باماكو، الذين غالبًا ما يتم تمويلهم مسبقًا برأس مال أجنبي، شذرات الذهب من عمال المناجم الحرفيين والمهربين.

وفي مرافق التكرير المختلفة بالمدينة، يقومون بصهر هذه القطع الصغيرة في قضبان وشحنها إلى الخارج.

ومن خلال دفع الرشى المنتظمة، والتي تحولت إلى رواتب، لصالح مسؤولي الجمارك والمطار المحليين، يمكن لشركات الشحن الخاصة مغادرة باماكو بسهولة إلى دبي بقضبان من الذهب الحرفي مخزنة في حقائب اليد الخاصة بهم.

وفي دبي، يواجه الناقلون ومشتروهم القليل من العقبات القانونية أو التنظيمية في جلب ذهبهم إلى الأسواق، حيث لا يطلب مسؤولو الجمارك ولا البنوك ولا مشترو الذهب في الإمارات من مستوردي الذهب تقديم شهادات منشأ أو إيصالات مدفوعات ضرائب التصدير.

وكما وجد تقرير صدر عام 2020، فإن الإمارات لديها ضوابط جمركية ضعيفة على الذهب المحمول باليد، ولا توجد قيود على المعاملات النقدية التي لا يمكن تعقبها وقليل من الإشراف على أسواق الذهب المحلية ومصافي التكرير.

ويُمنح المشترون في دبي سبائك منخفضة الجودة من الذهب الأفريقي، حيث يمكنهم الاحتفاظ بالمعادن الثمينة الأخرى التي يتم فصلها أثناء عملية التكرير.

يمكن أن تشكل المعادن مثل الفضة والبلاديوم والبلاتين 10% من الكتلة الأصلية للقضيب.

ويقول التقرير: "لطالما كانت الإمارات مركزًا عالميًا للتجار الأفارقة العابرين للحدود، الذين يسافرون إلى دبي لشراء السلع المستوردة مثل قطع غيار السيارات اليابانية أو الملابس المصنوعة في الصين".

وتستغل السلطات الإماراتية واللاعبون التجاريون الآن الوضع التجاري الحالي لبلدهم لجعل الإمارات عقدة مهمة لتجارة المعادن الثمينة، وخاصة الذهب.

هؤلاء المشترون يمولون بنشاط شركاء في مالي وفي جميع أنحاء مناطق الساحل والصحراء، مما يدفع إلى التوسع في التعدين الحرفي بمناطق جديدة.

ويختم التقرير بالقول: "ستزداد الهشاشة الاقتصادية لمالي مع تواطؤ رواد الأعمال والمسؤولين في بلدان أخرى، وعلى الأخص الإمارات".

 

الكاتب