فساد الأوفست.. خبير أمريكي يحذر من عقود الدفاع المبرمة في آيدكس الإمارات
"في بعض الأحيان لا تكون الأسلحة هي أكثر الأجزاء سرية وخطورة في صفقات الدفاع".. بهذه المقدمة حذر "كولبي جودمان"، المستشار الأول في منظمة الشفافية الدولية للدفاع والأمن (TI-DS) والمدير السابق لمشروع مراقبة المساعدة الأمنية لمركز السياسة الدولية، من نظام الصفقات التجارية المتبادلة أو الاستثمار المتكافئ، المعروف بـ "الأوفست"، مشيرا إلى أنه بوابة فساد باطني في صفقات الدفاع.
ويقوم هذا النظام على تضمين شركات الدفاع حزما استثمارية في عقود التصدير للمشترين الأجانب، سواء كانت في الصناعة الدفاعية للبلد المشتري (أوفست مباشر) أو في مجمل اقتصاد هذا البلد (أوفست غير مباشر)، حسبما أورد مقال لـ "جودمان"، نشره موقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" وترجمه "الخليج الجديد".
من شأن هذا النظام جعل صفقات الدفاع أكثر جاذبية للدول المستوردة، وبالتالي يعظم من أرباح شركات إنتاج الأسلحة، التي يتصدرها عالميا تلك التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها.
وأورد "جودمان"، في مقاله، أن المسؤولين الأمريكيين وموظفي الصناعة الدفاعية، يشاركون هذا الأسبوع في قاعات معرض ومؤتمر الدفاع الدولي الإماراتي (آيدكس) للترويج لبعض أحدث تقنيات الدفاع الأمريكية، سواء للإمارات أو للمشترين الآخرين في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن هؤلاء المسؤولين يتجاهلون مخاطر الأوفست في الصفقات المطروحة على طاولة المعرض.
ويؤكد "جودمان" أن هذه الصفقات غالبا ما تخفي مخاطر فساد قد تضر بالمصالح الأمنية الأمريكية، وتساعد على إبقاء الملايين في حالة فقر ونزاع دائم حول العالم، مشيرا إلى أن ذلك يقوض بشكل خطير جهود إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" لتشجيع الشركات الأمريكية والحكومات الأجنبية على محاربة الفساد وحماية الديمقراطيات.
صفقات آيدكس
وذكر "جودمان" أن الإمارات العربية المتحدة من بين أكبر مشتري الأسلحة في العالم، ففي عام 2019 وقعت القوات المسلحة الإماراتية 33 صفقة بقيمة 2.8 مليار دولار مع شركات عالمية في معرض آيدكس.
فيما تواصل الولايات المتحدة الهيمنة على مبيعات الأسلحة إلى الإمارات، لكنها تواجه منافسة من لاعبين رئيسيين مثل الصين والدول الأوروبية، فضلاً عن قدرات الإنتاج الدفاعي المتنامية لدول مثل تركيا وإسرائيل.
وإزاء ذلك، توافق شركات الدفاع الأمريكية بانتظام على صفقات تصدير إلى الإمارات وغيرها بنظام الأوفست، لكسب ميزة تنافسية.
و في عام 2019، أفاد متعاقدو الدفاع الأمريكيون بالدخول في 31 اتفاقية أوفست جديدة مع 12 دولة بقيمة 8.2 مليار دولار، وفقًا لما أعلنته وزارة التجارة الأمريكية.
وغالبًا ما تكون تعادل قيمة الاستثمار المكافئ، المضمن في هذه العقود، أكثر من نصف القيمة الإجمالية لشراء الأسلحة من الشركات الأمريكية، وتوظف هذه الاستثمارات في اتفاقيات لشراء عناصر من الدولة المشترية للسلاح، أو التعاقد من الباطن مع شركاتها، أو تقديم المساعدة الائتمانية لها.
وفي معرض آيدكس 2019، أعلنت الإمارات عن سياسة أوفست جديدة لمشترياتها من الأسلحة، تتطلب من شركات الدفاع تضمين عقود استثمار بقيمة لا تقل عن 10 ملايين دولار للموافقة على شراء الأسلحة منها.
وتركز هذه السياسة الإماراتية بشكل أكبر على الاستثمارات الموجهة إلى خارج قطاع الدفاع (أوفست غير مباشر)، بما في ذلك البنية التحتية والأمن الغذائي والمائي والقطاعات الإستراتيجية الأخرى.
وتشجع هذه السياسة شركات الدفاع على استخدام المدفوعات النقدية لتلبية متطلبات الأوفست، بينما تلتزم الإمارات بعدم الإفصاح عن أي معلومات حول اتفاقيات الأوفست المتعاقد عليها.
تسهيل الفساد
وهنا يؤكد "جودمان" أن صفقات الأوفست لطالما كانت مثيرة للجدل، ففي عام 2007 وجهت المفوضية الأوروبية الدول بالقارة العجوز إلى وضع قيود كبيرة على الشركات التي تبرم صفقات الأوفست، باعتبارها "مناهضة للمنافسة".
كما دفعت المفوضية الدول الأوروبية إلى حظر صفقات "الأوفست غير المباشر" بشكل عام، باعتبارها بوابة لنقل موارد كبيرة إلى الحكومات الاستبدادية غالبا، في ظل قدر ضئيل جدًا من الشفافية أو المساءلة بشأنها.
ويشدد "جودمان"، في مقاله، على أن صفقات الأوفست، خاصة غير المباشرة، يمكن أن تكون بمثابة "رشوة مالية" مقنعة للفوز بعقد دفاعي أو تجنب دفع الرسوم أو الغرامات، أو خدمة أغراض فاسدة أخرى.
ولذا حذرت وزارة التجارة الأمريكية الشركات لسنوات من الاستثمار في صناديق الثروة السيادية بدول الخليج العربية خشية أن تكون هذه الصناديق بمثابة أدوات للرشوة.
وينوه "جودمان" أيضا إلى أن أموال صفقات الأوفست يمكن أن تستخدم لدعم الضغط الأجنبي على الحكومة الأمريكية، مشيرا إلى أن صفقات بعض الشركات الأمريكية مع صندوق الثروة السيادية الإماراتي (شركة توازن القابضة)، في عامي 2016 و2017، أدت إلى وصول حوالي 20 مليون دولار إلى معهد الشرق الأوسط في واشنطن، ليدعم الأخير بدوره توسيع مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى دول الخليج.
وأضاف أن إعادة تركيز الإمارات على صفقات الأوفست غير المباشر بعد عقد من التركيز على صفقات الأوفست المباشر يزيد من المخاطر التي تواجه الشركات الأمريكية، التي تدعم القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد الإماراتي بشكل غير مباشر، إذ يجعلها منخرطة في تغذية الصراع في إفريقيا وتسهيل غسيل الأموال.
وضرب "جودمان" مثالا يعود إلى عام 2009، عندما وافقت شركة دفاع إيطالية على مشروع إنتاج مشترك لبناء مصنع لتكرير الذهب والفضة في الإمارات كجزء من صفقة أوفست غير مباشر.
هذا الأمر أثار حينها مخاوف بشأن الدور الذي تلعبه الإمارات في السماح بتكرير الذهب الذي حصلت عليه الجماعات الأفريقية المسلحة بطريقة غير مشروعة وإعادة بيعه إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية، ما يعزز ديناميكيات الصراع السياسي والقتل في وسط وشرق أفريقيا.
كما استثمرت شركات الدفاع الأمريكية والأوروبية في أسواق قطاع العقارات بالإمارات من خلال صفقات الأوفست، وهو القطاع الذي كان مصدرًا رئيسيًا لغسيل أموال الأجانب الخاضعين لعقوبات أمريكية.
ثمة مخاطر جدية أخرى تتمثل في أن الأفراد المرتبطين سياسيًا في الدولة المشترية للسلاح من الشركات الأمريكية، مثل الإمارات، قد يستخدمون صفقات الأوفست لمصلحتهم السياسية، مثل تمويل الحملات لدعم منصب سياسي معين.
فالمساهمون والمديرون التنفيذيون في صفقات الأوفست غير المباشرة بالإمارات ينتمون إلى العائلات الأكثر ثراءً والأكثر ارتباطًا بالسياسة، وقد تسعى هذه العائلات المؤثرة إلى شراكات لمصلحتها السياسية الخاصة على حساب منافسيها، ما يجعل الشركات الأمريكية عرضة لاتهامات استخدام النفوذ الأجنبي في الشؤون السياسية المحلية.
تجاهل متعمد
لكن الحكومة الأمريكية تتجاهل عمدا هذه المخاطر حسبما يرى "جودمان"، الذي توقع أن يخبر المسؤولون الأمريكيون نظرائهم الأجانب في آيدكس بأن عليهم التفاوض على حزم استثمارات الأوفست بشكل مباشر مع شركات الدفاع الأمريكية، وذلك بدافع القلق من تحمل مسؤولية فشل صفقات تلك الشركات مع الحكومة الأجنبية.
وهذا القلق الأمريكي يقوض القدرة على استخدام الأدوات اللازمة لمعالجة المخاطر الخاصة بالفساد، حسبما يؤكد "جودمان".
ويقترح الخبير الأمريكي، في هذا الصدد، طريقتين لمراجعة حزم استثمارات صفقات الأوفست المقترحة قبل الانتهاء من صفقات الدفاع، الأولى تتمثل في: تقديم شركات الدفاع الأمريكية المعلومات الخاصة بصفقات الأوفست عند التقدم للحصول على ترخيص من وزارة الخارجية لبيع الأسلحة في الخارج وتحديد المستفيد منها بدقة، وهو ما لا يتم حاليا.
والثانية: أن تفرض وزارة الخارجية الأمريكية على الشركات تقديم معلومات عن أي مساهمات أو رسوم أو عمولات سياسية ربما تكون قد دفعتها في أي صفقة دفاعية، وهو ما لا تلتزم به العديد من شركات الدفاع الأمريكية بانتظام، على أن تقوم وزارة التجارة الأمريكية بجمع معلومات أكثر تفصيلاً عن استثمارات الأوفست بعد إبرام صفقة الأسلحة، بحيث يتم تجميعها في تقرير سنوي يقدم إلى الكونجرس.
وبدون هكذا ضمانات، يرى "جودمان" أن الحكومة الأمريكية ستكون معرضة لخطر تقويض استراتيجيتها الخاصة بمكافحة الفساد عبر الإخفاق في ضمان عدم دعم مبيعات الأسلحة عن غير قصد للجهات الفاسدة أو تسهيل الرشوة والضغط الأجنبي وغسيل الأموال.