اتفاقية التجارة التركية الإماراتية مصلحة إسرائيلية.. كيف تصب في صالح اتفاقات إبراهيم؟
سلط الخبير في الاقتصاد السياسي، أحمد القاروط، الضوء على آثار توقيع الإمارات وتركيا، في 3 مارس/آذار الجاري، اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة في أبو ظبي، تهدف إلى زيادة التجارة بين البلدين إلى 40 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة.
وذكر القاروط، في تحليل نشره بموقع "ناشيونال إنترست" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الاتفاقية، التي كانت قيد الإعداد منذ عدة سنوات، ستركز على قطاعات استراتيجية مثل تكنولوجيا الزراعة والأمن الغذائي والطاقة النظيفة والعقارات وتخفيض رسوم التعرفة الجمركية بنسبة 82%.
وخلال زيارة قام بها رئيس الإمارات الشيخ، محمد بن زايد، في عام 2021، أنشأت الإمارات صندوقًا استثماريًا بقيمة 10 مليارات دولار في تركيا.
ويستند الإعلان الجديد أيضًا إلى اتفاقية تعاون دفاعي وسلسلة من الاتفاقات الاقتصادية الموقعة في عام 2022 بعد زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى الإمارات.
وقبل الاتفاق مع تركيا، وقعت الإمارات أيضًا اتفاقيات تجارة حرة مع الهند وإسرائيل، كما سعت إلى اتفاقية تجارية ثلاثية بين دول اتفاق إبراهيم، بما في ذلك إسرائيل والمغرب.
ومن الناحية الاستراتيجية، يعتبر اتفاق الإمارات مع تركيا جزءًا من جهودها المستمرة لمتابعة وتعزيز التجارة الحرة، وتعزيز اتفاقيات إبراهيم، وترسيخ مكانتها في عصر المنافسة بين القوى العظمى.
ويضع الاتفاق الإمارات في قلب الكتلة التجارية الناشئة التي تقودها الولايات المتحدة والتي تم تسريع وتيرة تشكيلها في أعقاب جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، كما يعزز جهود دول اتفاق إبراهيم لتقويض تيار الإسلام السياسي في تركيا وإيران والدول العربية.
ويهدف ضخ الإمارات لاستثمارات إضافية في تركيا إلى تقويض جهود إيران لتعزيز التجارة مع تركيا إلى 30 مليار دولار، وهي خطة تعطلت بسبب العقوبات والوباء ولكنها عادت الآن إلى المسار الصحيح وفقًا للبيانات الرسمية.
وتراجعت التجارة بين إيران وتركيا من ذروة بلغت 10 مليارات دولار بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018.
وبعد ذلك بعامين، في عام 2020، تراجعت التجارة الثنائية إلى 5 مليارات دولار. ومع ذلك، سعت إيران وتركيا إلى إعادة بناء العلاقات بينهما منذ ذلك الحين.
وفي عام 2021، أعلن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أن إيران وتركيا ستواصلان محادثات دبلوماسية رفيعة المستوى لصياغة "خارطة طريق للتعاون طويل الأمد" لتوطيد العلاقات.
و أدت العلاقات المتجددة إلى زيادة التجارة التركية الإيرانية إلى حوالي 6 مليارات دولار في عام 2021 ثم إلى حوالي 10 مليارات دولار في عام 2022، في عودة إلى مستويات ما قبل العقوبات. وأثارت استعادة العلاقات التركية الإيرانية قلق الإمارات، التي تسعى لتقريب تركيا من دول الخليج العربي وإسرائيل والولايات المتحدة.
وهنا يشير القاروط إلى أن الإمارات لديها هدف آخر، وهو تحدي الهدف الخارجي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، المتمثل في بناء علاقات استراتيجية مع الأحزاب الإسلامية الإقليمية الأخرى ذات الانتماء الفكري المقارب، مثل حماس والإخوان المسلمين في ليبيا ومصر وسوريا والعراق، إذ تعتبر الإمارات هذه الجماعات بمثابة تهديد لتوازن القوى والاستقرار في المنطقة.
ومع ذلك، تراجعت تركيا، في العامين الماضيين، عن دعمها لحماس والإخوان المسلمين في مصر في محاولة لتأمين الاستثمارات من دول الخليج وإسرائيل، والتي تحتاجها لتحقيق الاستقرار في اقتصادها قبل الانتخابات الوطنية في مايو/أيار 2023.
ومن خلال بناء علاقات استثمارية كبيرة مع تركيا، تأمل الإمارات ودول الخليج الأخرى في تغيير حسابات تركيا الاستراتيجية نحو دعم رؤيتها المستقبلية للمنطقة.
وفي أعقاب الزلازل، التي من المتوقع أن تتسبب في خسائر اقتصادية تزيد عن 84 مليار دولار، تود الإمارات ضمان ألا تشعر تركيا بالضعف إلى الحد الذي يجعلها تتماشى مع إيران عبر التجارة والاستثمارات.
فالتزام تركيا بالتجارة مع إيران بالعملات الوطنية للتغلب على العقوبات الغربية يمكن أن يعزز أجندة إيران الإقليمية، التي تعتبرها الإمارات والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى عدوانية.
ومن شأن اتفاق الإمارات مع تركيا أن يقلل أيضا من احتمال دعم أنقرة للسياسات الإقليمية التي تزعزع استقرار إنشاء سوق جديدة وتحالفات إقليمية.
فبالنسبة لتركيا، تبدو الحاجة الفورية لضخ رؤوس الأموال منذ الزلازل المدمرة الاتفاق مع الإمارات جذابًا، ولكن من المحتمل أيضًا أن يمثل مشكلة بالنسبة لمستقبل أردوغان السياسي، إذ قد تساعده استثمارات الإمارات في تعزيز صورته كمنقذ لبلاده، وقد تؤدي أيضًا إلى استقرار العملة التركية واستعادة ثقة الجمهور والمستثمر، لكنها تشير أيضًا إلى نفوذ الخليج المتزايد على تركيا وإضعاف قبضة أردوغان على القوة الاقتصادية للبلاد.
ومن غير المرجح أن تدع المعارضة التركية، التي سلطت الضوء في السابق على الفساد في تركيا، هذه الفرصة تذهب سدى.
ومن وجهة نظر أردوغان، تعتبر الصفقة بمثابة توازن بين الاحتياجات الاقتصادية الفورية والنفوذ السياسي والاقتصادي المتزايد للخليج، ما قد يحد من قدرته على اتباع سياسة خارجية مستقلة في المنطقة.
ويخلص القاروط إلى أن الإمارات تحاول، من خلال تعاملها مع تركيا، تحقيق انتصار كبير لاتفاقات إبراهيم من خلال جذب تركيا إلى التحالف الجديد وتثبيط علاقات تركيا المتنامية مع إيران.