مجلة نمساوية: هكذا ساهمت الإمارات في تنغيص حياة المسلمين في النمسا

مجلة نمساوية: هكذا ساهمت الإمارات في تنغيص حياة المسلمين في النمسا

استعرضت مجلة بروفيل، الدور الذي لعبته الإمارات خلال السنوات الماضية، من أجل التنغيص على حياة المسلمين في النمسا، عبر تمويل شخصيات نمساوية ومسؤولين، من أجل ملاحقتهم، باعتبارهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين.

وذكرت المجلة، تفاصيل متعلقة بعملية الأقصر التي نفذتها الشرطة النمساوية بحق مسلمين نمساويين من أصول عربية، وارتباطات الكثير ممن حرضوا على شن هذه العملية بالإمارات، وكيفية تلقيهم الأموال وإصدار دراسات وتقارير مزعومة من أجل النيل منهم لمصلحة الإمارات، على يد اليمين المتطرف في النمسا.

وقالت المجلة أن "عملية الأقصر" كانت ضد المشتبه بهم من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، حيث تعتبر واحدة من أكبر عمليات الشرطة في العقود الأخيرة، وفي الواقع كانت فضيحة سياسية وإدارية؛ حيث تشير التحقيقات إلى أن النمسا قد تركت نفسها تستغل كأداة طائعة للقوى الأجنبية.

وجاء في تقرير المجلة الذي ترجمه موقع "عربي 21":

في عهد سيباستيان كورتز، كانت التشريعات المشددة ضد المسلمين والمسلمات وسيلة لجذب الأصوات من اليمين في الانتخابات. ومع ذلك؛ لم يكن ما حدث في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 مرتبطا بالسياسة الشعبوية، ففي ذلك اليوم؛ تم تنفيذ إحدى أكبر عمليات الشرطة في الجمهورية: أمضى الضباط ما مجموعه 21,000 ساعة في مراقبة المشتبه بهم، قبل أن ينتشر 960 شرطيًّا في أربع مقاطعات بذلك الصباح ويجروا مداهمات لنحو 60 شقة ومكتبًا ومحلًا تجاريًّا وناديًا، وكان هناك 70 شخصًا هم محور هذه للجهود، وجرى احتجاز 30 منهم للاستجواب الفوري، فيما كان اسم هذا المشروع الضخم: عملية الأقصر.

كارل نيهامر، وزير الداخلية آنذاك، التقط صورة ترويجية لنفسه بجانب رجال الشرطة في الفجر. وبعد الظهر - بعد انتهاء العملية - نشر تغريدة على تويتر حيث تحدث عن "ضربة حاسمة ضد جماعة الإخوان المسلمين وضد حماس في النمسا"، كان هدف العملية اتهام المشتبه بهم بالانتماء إلى تنظيم إرهابي وتنظيم إجرامي، بالإضافة إلى تمويل الإرهاب وغسل الأموال.

بالنسبة لنيهامر، كانت هذه الضربة ضرورية. فقبل أسبوع من ذلك؛ نفذ مؤيد لتنظيم الدولة - ولد في النمسا ويبلغ من العمر 20 عامًا - هجومًا إرهابيًّا في وسط فيينا، راح ضحيته أربعة أشخاص وأصيب أكثر من 20 آخرين. وكان وزير الداخلية يتعرض لضغوط بسبب تجاهل سلطاته لمعلومات مهمة، ولهذا كانت عملية الأقصر مناسبة لاستعادة سمعته كمحارب ضد المتطرفين الإسلاميين.

اليوم؛ بعد مضي نحو سنتين ونصف، لم يتبق من هذه التهم الكثير؛ حيث ظهرت تدريجيًّا الأمور التي وقفت وراء هذه الفضيحة الملفقة: مستشارون متحيزون، وحماة دستور متساهلون، واستفتاء شعبي مشبوه في الاتحاد الأوروبي، وباحث إسلامي مشتبه في قبوله أموالًا من الإمارات العربية المتحدة مقابل عمله حول أعضاء يُزعم انتماؤهم لجماعة الإخوان المسلمين في النمسا.

في صيف عام 2017؛ كانت الأجواء ساخنة بسبب الانتخابات وكان من المقرر إجراء انتخابات البرلمان الوطني الجديدة في تشرين الأول/ أكتوبر، وكانت استطلاعات الرأي تشير بوضوح إلى أن حزب الشعب النمساوي بزعامة سيباستيان كورتس الجديد لديه أفضل الفرص؛ حيث كان كورتس يجوب النمسا ويقدم برنامجه الناجح: وقف الهجرة، ووقف اللاجئين، ومكافحة أسلمة النمسا المسيحية، وهو ما كان يتفق ذلك مع المزاج السائد في البلاد.

في نفس الوقت، تم إطلاق توقيعات شعبية على مستوى الاتحاد الأوروبي بدءًا من النمسا بعنوان "أوقفوا التطرف" بهدف مكافحة الإسلام السياسي المتطرف وتنظيم حملات في عدة بلدان، وكان يتعين جمع مليون توقيع على الأقل في سبع دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي.

كانت الشخصية الرائدة في هذا السياق إيفغاني دونمز، الذي ترشح على قائمة سيباستيان كورتس وانضم لاحقًا إلى المجلس الوطني كنائب عن حزب الشعب النمساوي.

 تظهر المئات من المحادثات التي تم الحصول عليها أن هناك أكثر مما كان يدور وراء الكواليس من مجرد مكافحة التطرف، فقد كان يتم وضع الجدول الزمني للتأثير ضد جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم.
لخص دونميز الأمر في ذلك الوقت في محادثة بالقول: "تركيا = سيئة، قطر = سيئة، السعودية = جيدة".

وهو ما ادعى لاحقًا أنها مزحة، لكنه في الواقع كان ينقل هذه الرسالة بالضبط للجمهور. وكانت حملة العلاقات العامة لمبادرة المواطنين الأوروبية تستهدف أيضًا أشخاصًا معينين يتم التحفيز ضدهم بشكل منسق؛ أحدهم هو عالم السياسة النمساوي فريد حافظ. وهكذا تقاطعت مصالح مشغلي التصويت الشعبي والحكومة التي يقودها حزب الشعب النمساوي: كان حافظ في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 أحد أهداف عملية الأقصر.

لم يكن حزب الشعب النمساوي هو وحده المهتم بممارسة الضغط ضد جماعة الإخوان المسلمين؛ بل نشأت نزاعات بين دول الخليج العربية المتعاطفة مع الجماعة وتلك المعارضة لها. وتحديدًا بين قطر، التي دعمت الإخوان المسلمين خلال الربيع العربي، والإمارات العربية المتحدة التي شعرت فيها العائلات المالكة بالتهديد من موجة الثورات الإسلامية.

تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 وانتشرت في بلدان أخرى، وتعتبر من أكثر التيارات الإسلامية تأثيرًا، وتهدف الجماعة إلى تحويل المجتمع وفقًا للمفاهيم الأخلاقية الإسلامية وإقامة دولة تعتمد على مبادئ الشريعة الإسلامية. ومنذ حوالي 60 عامًا، انتشرت الجماعة أيضًا في البلدان الغربية لتعزيز أفكارها هناك، ومن الصعب إثبات أن شخصَا ما ينتمي إليها أو لا، حيث إنها ليست جمعية مسجلة.

وفي الحقيقة؛ كانت هناك أدلة على وجود صلات بين مبادرة "وقف التطرف" والإمارات العربية المتحدة. إنغو إف. هو عالم سياسي يدير الجمعية النمساوية لتحليل السياسات، وهي جمعية كانت وراء "وقف التطرف"، وعمل إنغو إف.

 في الماضي في جامعة أبو ظبي ويعمل اليوم كمستشار لمكتب حكومي هناك، لذا فهو يكسب قوت يومه من المال القادم من دولة الخليج. ومع ذلك، ينفي إنغو إف. أن يكون استفتاء "وقف التطرف" قد تلقى أي دعم مالي من الدول الأخرى.

وزعم إفغاني دونمز، أحد المبادرين، في خريف 2017 أن هناك حوالي 20,000 يورو من التبرعات جاءت من التوقيعات الشعبية، ولفت الانتباه حتى ذلك الوقت أن التكاليف المالية يجب أن تكون أعلى بكثير، فقد كانت هناك فعاليات وحملات وعقود استشارية، وواحدة منها كانت بقيمة حوالي 185,000 يورو، متوفرة لدى "بروفيل".

 اليوم نعرف أن دونمز لم يكن صادقًا في ذلك الوقت. ولأنه يجب الإبلاغ عن التبرعات المقدمة لمبادرة المواطنة الأوروبية لدى المفوضية الأوروبية؛ فقد تبين أن حملة "أوقفوا التطرف" حصلت في النهاية على 241,000 يورو من التبرعات الرسمية، كما يمكن الاطلاع عليها اليوم على الموقع، وقدم نادي إنجو إف. وحده 117,000 يورو منها.

في أيلول/ سبتمبر 2017، وبينما تستمر منظمة "أوقفوا المتطرفين" في حملاتها الكبرى لجمع التوقيعات؛ كتب خبير مكافحة الإسلاميين الإيطالي الأمريكي دراسة حول جماعة الإخوان المسلمين في النمسا، واسمه: لورينزو فيدينو، وكان من كلفوه بهذه المهمة: صندوق التكامل التابع لوزارة الخارجية (كان وزير الخارجية آنذاك سيباستيان كورتس) ومكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب (بي في تي BVT)، والمكافأة: مبلغ كبير بخمسة أرقام، وتم عرض البحث في أيلول/ سبتمبر 2017، وربما ليس من قبيل الصدفة أن ذلك قبل انتخابات المجلس الوطني.

تعرض عمل فيدينو لانتقادات حادة بعد فترة قصيرة من نشره؛ ففي الدراسة، يصنف فيدينو بعض الشخصيات المعروفة في المجتمع المسلم النمساوي على أنهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، مما جعل هؤلاء الأشخاص يشعرون بالتشهير ويتحدثون عن تشويه سمعتهم، بينما يبدو أن المكلفين بالمهمة راضين عن النتائج. وستصبح دراسة فيدينو في وقت لاحق أيضًا الأساس الرئيسي لتحقيقات النيابة العامة في غراتس بشأن عملية الأقصر.

يتمتع فيدينو أيضًا بعلاقات جيدة في إمارة أبو ظبي؛ حيث يمكن العثور على اسمه في فريق المركز البحثي هداية الموجود هناك، والذي يكرس نفسه - مثل منظمة وقف المتطرفين - لمكافحة التطرف العنيف. ويظهر المركز البحثي على أنه مركز دولي، لكنه يتألف بشكل رئيسي من ممثلي العائلة المالكة الحاكمة في الإمارة.

الكاتب