كيف تعقّد مصالح القاهرة وأبو ظبي الصراع بين جنرالات السودان؟

كيف تعقّد مصالح القاهرة وأبو ظبي الصراع بين جنرالات السودان؟

قالت إذاعة فرنسا الدولية (RFI) في تقرير بموقعها الإلكتروني، إنه منذ سقوط الرئيس السوداني السابق عمر البشير عام 2019، كانت مصر والإمارات والسعودية كريمة للغاية في مساعدة الخرطوم للوقوف على قدميها من جديد، من خلال مساعدات مالية قدرها 3 مليار دولار، واستقبال الجنرالين عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو المعروف بـ“حميدتي”.

كان ذلك أثناء احتجاج الشعب السوداني في ساحة القيادة العامة للجيش، مرددين هتافات ترفض المساعدات، حيث رأى المتظاهرون في هذه المساعدات بابا مفتوحا للتدخل، واتهموا الإمارات ومصر بالسعي لإبقاء الجيش في السلطة.

غير أن العلاقة بين مصر والإمارات معقدة الآن، كما تقول إذاعة فرنسا الدولية. فإذا كان من الواضح أن هذه الدول حافظت على روابط مع كلا الطرفين، فقد بدأ صراع مُتستّر بين حلفاء الأمس، حيث تتعارض مصالحهم حاليا على أرض الواقع في السودان. وتعمل كل دولة الآن خلف الكواليس من أجل دعم أحد الطرفين المتحاربين وفقا لمصالحها.

في أكتوبر 2021، عندما نفذ المجلس العسكري في السودان انقلابا ضد الحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله حمدوك، خيّم الصمت في الدول الثلاث. وهو صمت فسرته المعارضة السودانية بعدم رغبة الدول المعنية في أن ترى سلطة ديمقراطية بالسودان. وبالتالي ”مصادرة الثورة”.

وتابعت الإذاعة الفرنسية القول إن أبو ظبي كانت قد أعطت إشارات لبعض الوقت تشير إلى تفضيلها للجنرال حميدتي، الذي يبلغ من العمر 43 عاما، وهو من نفس جيل الرئيس الإماراتي محمد بن زايد (MBZ). وينتمي مثله إلى هذا الجيل الجديد من القادة العرب الذين يزعمون أن لديهم رؤية استراتيجية جديدة لقيادة بلدانهم: محاربة النفوذ الإيراني، ومحاربة قوى الإسلام السياسي، ومحاربة عدوى الديمقراطية في المنطقة.

ولذلك، تقول إذاعة فرنسا الدولية، فإن “حميدتي” هو رجل الإمارات في السودان، ولم يتردد رئيس دولتها في الظهور معه علانية عندما استقبله في فبراير الماضي. وفقا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فإن أقرب حليف لحميدتي في أبو ظبي، هو نائب الرئيس منصور بن زايد، الذي له أيضا اتصالات مكثفة مع الجماعات المسلحة في دارفور.

منذ عام 2017، كان ابن زايد في صراع مع الرئيس عمر البشير، ثم رفض الأخير اتخاذ موقف مساند للإمارات ضد قطر في الأزمة بين الدولتين الخليجيتين. ثم بدأت الإمارات في الابتعاد عن الرئيس السابق ودعمت سقوطه. في عام 2019، بمجرد أن انتهى المطاف بعمر البشير في السجن، خصصت أبو ظبي والرياض 3 مليارات دولار كمساعدات مالية للسودان.

كان التقارب بين الجنرال حميدتي والإمارات تم منذ عام 2018، كما توضح إذاعة فرنسا الدولية، مع إرساله آلاف الرجال للقتال في اليمن إلى جانب القوات السعودية والإماراتية المشاركة في الحرب ضد المتمردين الحوثيين. وهو ما عاد عليه بملايين الدولارات. كما أنه أثرى نفسه من خلال التنقيب عن الذهب السوداني وبيعه لدولة الإمارات وروسيا بأسعار تفضيلية.

هذه الأموال المودعة بشكل كبير في بنوك دبي، هي التي تدفع اليوم لقوات الدعم السريع (RSF) التي يقودها حميدتي. علاوة على ذلك، فإن قواته مجهزة بأسلحة خفيفة أفضل من الجيش النظامي.

مضت الإذاعة الفرنسية إلى القول إن الإمارات اليوم هي أكبر المستثمرين بين دول الخليج في السودان. لأكثر من عقد من الزمان، طورت وجودها الاقتصادي في أفريقيا وبشكل أكثر تحديدا في القرن الأفريقي، حيث استثمرت بشكل أساسي في الموانئ والنقل البحري. بناء على هذا الهجوم الاقتصادي، تسعى الإمارات إلى زيادة نفوذها وتأكيد دورها كلاعب إقليمي ومؤثر في المنطقة، بما في ذلك السودان، لأنه دولة غنية بالموارد الطبيعية والأراضي الخصبة. مع 200 مليون هكتار من الأراضي الخصبة، يمكن للسودان إطعام الدول العربية والأفريقية مجتمعة، لكنه حاليا يستورد قمحه من روسيا وأوكرانيا. ويمتلك 100 مليون رأس من الماشية. وهو ثاني أكبر منتج للذهب في إفريقيا. وهو بلد غني أيضا باليورانيوم والكوبالت والفضة، تشير الإذاعة الفرنسية، لأكثر من عقدين من الزمن، كانت الحروب في هذا البلد مدفوعة بتقاسم الثروة والسلطة.

تابعت الإذاعة الفرنسية القول إنه منذ سقوط الرئيس عمر البشير عام 2019، فوّضت القاهرة وأبو ظبي نفسيها بصفتهما اللاعبيْن الإقليميين الأكثر نفوذاً في الملف السوداني. تعتمد أبو ظبي على الرجل الثاني في الجيش وقائد القوات شبه العسكرية حميدتي، بشكل أساسي للدفاع عن المصالح الاقتصادية. لكن لسبب مختلف تماما، تراهن القاهرة على الرجل الأول في الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، الذي تفضل من الناحية الاستراتيجية، أن يصل إلى السلطة.

 

وتخشى القاهرة أن يتحول هذا الصراع على السلطة الذي بدأ في 15 أبريل/ نيسان، إلى حرب أهلية طويلة، مما يحوّل السودان إلى دولة فاشلة. ويشكل خطر تفكك هذا البلد الشاسع تهديدا حقيقيا للأمن القومي المصري. فالموقع الاستراتيجي للسودان وحدوده مع إريتريا مهم جدا لمصر وأمنها.

كما دعمت الخرطوم القاهرة بعد الأزمة مع أديس أبابا بسبب سد النهضة. لذلك ساعد الاستقرار في الخرطوم، القاهرة على معالجة هذه القضية بشكل أفضل.

أسوأ كابوس للقاهرة اليوم، بحسب إذاعة فرنسا الدولية، هو رؤية السيناريو الليبي يعيد نفسه في السودان. كما أنها تواجه معضلة، تتمثل في أن وصول قوات الجنرال حميدتي إلى السلطة قد يعارض مصالحها في السودان، لا سيما في ظل وجود دعم خارجي أو إقليمي أو دولي لحميدتي.

وقد حذر وزير الخارجية المصري الأسبق عمرو موسى بوضوح من مثل هذا السيناريو، قائلاً إن “بعض المصالح العربية قد تتعارض مع المصالح المصرية في هذا الصراع السوداني”.

لذلك، تتابع الإذاعة الفرنسية، تجد مصر خلاصها بجيش سوداني بقيادة جنرال في الجيش النظامي، مثل عبد الفتاح البرهان، الذي تربطه علاقة شخصية أيضا بالرئيس المصري الفتاح السيسي: كلاهما درسا في نفس المدرسة العسكرية بالقاهرة.

وإدراكا منها للخطر الذي يمثله إضعاف الجيش في السودان، حاولت السلطة في القاهرة، إحدى ضامني الاتفاق السياسي الإطاري لعام 2019، توسيع هذا الاتفاق ليشمل الأحزاب السياسية والجماعات غير السياسية. وعقدت اجتماعات في القاهرة عام 2022 برعاية رئيس المخابرات، دون نجاح كبير.

ومع ذلك، فإن مصر ليست جزءا من اللجنة الرباعية الخاصة بالسودان. في حين أن أبو ظبي عضو مؤثر للغاية، ويبدو الآن أن العاصمتين العربيتين تتعارضان في الملف السوداني، توضح الإذاعة الفرنسية. فتضارب المصالح موجود بالفعل بين البلدين الحليفين على الرغم من المظاهر.  ومع ذلك، يظل الجميع على اتصال بالجنرالين، وتركز أعينهم على نتيجة القتال، كما تقول إذاعة فرنسا الدولية.

الكاتب