ميدل إيست آي: بحملات تشويه مكثفة.. كيف أشعلت الإمارات كراهية الإسلام في أوروبا؟
"وسط الجدل الساخن حول الهجرة والاندماج، أشعل البعبع الإماراتي نيران كراهية الأجانب وكراهية الإسلام، وحشد جماهير جديدة، عبر حملات تشهير ساعدت على تسريح وإسكات الأصوات الإسلامية".. بهذه الكلمات لخص الأكاديمي أندرياس كريج، المحاضر في كلية "كينجز كوليدج" بلندن، في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي"، قصة حملات تشويه وجهتها الإمارات ضد مئات الشخصيات الأوروبية، ومنهم غير مسلمين، اتهمتهم بأنهم تابعين أو مؤيدين للإخوان المسلمين ويسعون لتخريب أوروبا أو "أسلمتها.
مقال كريج جاء تعليقا على ما كشفت عنه وثائق مسربة نشرها موقع "ميديا بارت"، قبل نحو أسبوعين، وشاركها "الخليج الجديد"، عن نشاط متنامٍ بين شركة استخبارات سويسرية خاصة تدعى "ALP Services"، شنت حملة تشويه، بدعم وتمويل إماراتي، ضد نحو 1000 أوروبي، من بينهم أكثر من 200 فرنسي، زعمت الشركة أنهم متورطون بأنشطة الإخوان المسلمين، وأدت إلى وضع أسمائهم كإرهابيين محتملين داخل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في أبوظبي.
رواية تجسسية "رخيصة"
وقال كريج، في المقال الذي ترجمه "الخليج الجديد"، إن عناوين إخبارية انتشرت في أوروبا مؤخرا وكشفت عن 78 ألف وثيقة تم تسريبها مؤخراً، تضم ما يشبه حبكة في "رواية تجسسية رخيصة"، حيث قامت شركة استخباراتية سويسرية خاصة بالنيابة عن إحدى ممالك الخليج بشن هجوم واسع النطاق على مواطنين ومنظمات مجتمع مدني وشركات في 18 بلداً أوروبياً.
وأضاف الكاتب أن تلك الحملة التشهيرية "الرديئة" لم تكن سوى رأس جبل جليدي ضمن حملة تشنها منذ عدة سنين دولة الإمارات بهدف تقويض الحوار الدائر في أوروبا.
ويشير إلى أنه رغم أن الأمر كان بادئ ذي بدء محاولة من أبوظبي لمنافسة خصومها الإقليميين في بيئة المعلومات، إلا أنه ما لبث أن تطور إلى شبكة الغاية منها تقويض الحوار الاجتماعي السياسي في أوروبا، مستهدفاً ليس فقط الأوروبيين المسلمين، بل وكذلك كل أكاديمي أو صحفي أو صانع سياسة يقف إلى جانب العدالة الاجتماعية وضد القهر السلطوي.
ويضيف: "لقد اكتسبت أبوظبي قدراً هائلاً من الخبرة على مدى العقد الماضي في محاكاة مهارات التقويض الروسية. فكلا الطرفين يحاربان من أجل أمر واحد، ألا وهو الترويج والتمكين للاستقرار السلطوي في الشرق الأوسط وأفريقيا، وشل قدرة المجتمع المدني على الحراك؛ لأن الطرفين يعتبرانه تهديداً أساسياً لأمن الأنظمة الحاكمة.
سرديات تخويف الأوروبيين
ويردف: "بلغ الأمر بالحملة التي تشنها الإمارات ضد الإخوان المسلمين أن غدت نسخة القرن الحادي والعشرين من المكارثية، بحيث تعتمد على نشر السرديات التي تبث الخوف في أوصال الناس حول شبكات مؤامراتية مزعومة يحيكها الإخوان المسلمون بهدف الاستيلاء على أوروبا".
وبموجب هذه الحملة، غدت جماعة الإخوان "فرشاة عريضة، ووصمة تطال الجميع بهدف الشيطنة، ونزع الشرعية عن الأفراد والمنظمات وحتى الشركات، ومن ثم حمل الناس على النأي بأنفسهم عنهم"، على حد وصف كريج، الذي يضيف: "ومما يفضح المفهوم الأجوف الذي تنطق منه هذه الرؤية هو حقيقة أن الكثيرين ممن ترد أسماؤهم في القائمة التي أعدتها المؤسسة السويسرية، واسمها ألب سيرفيسز، بالنيابة عن أبوظبي، ليسوا حتى مسلمين".
ويعتبر الكاتب أن فكرة وجود شبكة بالغة القوة وواسعة الانتشار تتبع جماعة الإخوان المسلمين، تتآمر من أجل تقويض المجتمع الأوروبي، تحتاج إلى "مغفلين مفيدين" حتى يتسنى لها الانتشار.
مثل هذه المقاربة تجد لها صدى لدى التحيزات الضمنية، وتجذب إليها جيوشاً من أشباه الخبراء في مجال مكافحة التطرف العنيف، "تماماً كما ينجذب الذباب إلى العسل"، على حد قوله.
ويقول إن هذه السردية تجد صدى لدى "الليبراليين غير الليبراليين"، كما يصفهم، الذين يقلبون إنجازات عصر التنوير رأساً على عقب، فيسعون إلى قمع الأفكار التي يعتبرونها ضارة بتفسيرهم المتطرف لمفهوم الليبرالية. ويمكنهم الاعتماد في ذلك على مساندة نفر من الناس صنعوا لأنفسهم صفة "المسلمين التقدميين"، ممن يسعون جاهدين إلى نيل مباركة أقرانهم غير المسلمين لهم.
تجميع كارهي الإسلام والليبراليين المزيفين
ويمضي أندرياس كريج بالقول إن هؤلاء يوفرون الذخيرة للعقد الأكثر شيطانية ضمن شبكات المعلومات التي تقف من ورائها الإمارات، والمتمثلة في كارهي الإسلام من منتسبي التيارات اليمينية المتطرفة الذين يسعون جاهدين لحماية الغرب من الأسراب المتوهمة للدعاة المسلمين الذين يتآمرون لإنجاز "الإحلال العظيم".
وبهذا الأسلوب، وبمساعدة "مشاتها الراغبين أو غير الراغبين"، تمكنت أبوظبي على مدى العقد الماضي من إنضاج بيئة مكافحة التطرف العنيف، حتى يتسنى لها غرس نظرية المؤامرة التي نسجتها لبث الرعب في قلوب الناس من الإخوان المسلمين في تربة خصبة، كما يقول الكاتب.
ومثل أي حملة تشويه ناجحة، دفع التلاعب الإماراتي في بيئة المعلومات داخل أوروبا الجماهير المستهدفة نحو تغيير مواقفها وسلوكياتها طواعية تجاه، ليس فقط المواطنين المسلمين، بل وكذلك - بشكل أوسع - تجاه "الثورة المضادة" التي تقودها الإمارات في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط، يقول كريج.
وتبعاً لذلك، غدت البيئة المعلوماتية أشد استقطاباً، وبات الارتياب بالمسلمين والمنظمات الإسلامية أكثر شيوعاً.
والأكثر من ذلك أن الشبكات الموالية للإمارات تمكنت من تغيير الخطاب المرتبط بصناعة السياسة.
ويضرب كريج مثالا، قائلا إنه في بريطانيا بلغت البيئة المعلوماتية درجة من الإنضاج حفزت حكومة ديفيد كاميرون على اتخاذ قرار بإجراء تحقيق في جماعة الإخوان المسلمين عام 2014؛ وهو تحقيق تم الدفع باتجاهه من الأسفل نحو الأعلى بجهود شبكات معلوماتية إماراتية، وتم فرضه من الأعلى نحو الأسفل بفضل السياسة الخارجية الإماراتية التي تستغل العلاقات التجارية مع الآخرين.
توفير غطاء لدعم القمع
وفي نفس الوقت، تمكنت الإمارات من إيجاد السياق المناسب لتمكينها من تبييض سمعتها وتوفير غطاء لما تمارسه من قمع سلطوي وقهر للمجتمع المدني داخل البلد وفي كل أنحاء المنطقة.
فباسم محاربة جماعة الإخوان المسلمين، تتصدر أبوظبي الثورة المضادة وتحتل مقعد القيادة فيها منذ أن ساعدت بتنفيذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، وتمويل أمير الحرب في ليبيا خليفة حفتر، وتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن الذي أسس لحقبة الاغتيالات السياسية بالبلاد ضد الإخوان والمتحالفين معهم، وأخيرا قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" في السودان الذي يستخدم سرديات قتال الإسلاميين لتبرير الانقلاب على النظام في الخرطوم، كما يقول الكاتب.
ويختم أندرياس كريج مقاله بالقول: "لقد أوجدت عمليات التقويض الإماراتية في أوروبا، والمستمرة منذ عقد من الزمن، بيئة سانحة تستغلها أبوظبي لتمرير سياساتها الخارجية والأمنية، كما أن التخويف من جماعة الإخوان المسلمين نجح، كما يبدو، في تزويد الإمارات بحجة قوية لدرء أي انتقاد يوجه إليها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، سواء ما ترتكبه بنفسها أو ما يرتكبه شركاؤها، باسم السعي لاحتواء الإسلام السياسي.
ويردف: "ينبغي على الحكومات الأوروبية الآن أن تتدخل لمساءلة الإمارات العربية المتحدة ومحاسبتها على مساعيها لتصدير مخاوفها السلطوية من المجتمع المدني إلى القارة الأوروبية".