نزاع الجزر الثلاث.. 3 رسائل إيرانية من استعراض القوة بمضيق هرمز

نزاع الجزر الثلاث.. 3 رسائل إيرانية من استعراض القوة بمضيق هرمز

سلط مدير "مؤسسة دراسات دول الخليج"، جورجيو كافيرو، الضوء على احتدام النزاع الإقليمي بين الإمارات العربية المتحدة وإيران على 3 جزر بالقرب من مدخل مضيق هرمز، وهو النزاع المستمرة منذ 52 عامًا، مشيرا إلى أن الطرفين يبديان استعدادا لمنع التوتر من الخروج عن السيطرة، ويريدان الحفاظ على الاستقرار في الخليج.

وذكر كافيرو، في تحليل نشره موقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الخلاف بين البلدين يعود إلى عام 1971، عندما نشر شاه إيران آنذاك أسطول بلاده للاستيلاء على جزر: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، في اليوم السابق لنيل الإمارات العربية المتحدة استقلالها عن بريطانيا، وهو ما نظرت إليه الإمارات والدول العربية الأخرى على أنه "احتلال إيراني" للجزر.

لكن إيران تنفي الرواية الإماراتية، وتقول إن الغرب يشجع الإمارات على إثارة هذه القضية كجزء من الجهود الأوسع التي تقودها الولايات المتحدة للضغط على الجمهورية الإسلامية وإضعاف الموقف العسكري الإيراني في الخليج.

ويؤكد المسؤولون في طهران أن الجزر تنتمي إلى إمبراطوريات فارسية متعاقبة، بينما يزعم نظرائهم الإماراتيون أن التجار العرب حكموا طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى لقرون قبل وصول البريطانيين.

ويشير كافيرو، في هذا الصدد، إلى أن كلا من طنب الكبرى والصغرى غير مأهولة بالسكان، في حين أن أبو موسى هي موطن لحوالي 2000 من السكان المدنيين.

وفي عام 1972، كانت جزيرة أبوموسى موطنا لـ 800 شخصا، معظمهم من العرب، الذين ينحدرون من قبيلة القاسمي، على الرغم من "وصول عدد قليل من العمال الإيرانيين غير المهرة" إليها بعد أن استولت عليها إيران.

واشتكى سكان أبو موسى من تغيير الحكومة الإيرانية التركيبة السكانية للجزيرة من خلال نقل "مستوطنين" إيرانيين حتى أصبح عدد الإيرانيين الآن يفوق عدد المواطنين الإماراتيين والمغتربين في أبو موسى.

وأفادت وسائل إعلام إماراتية بأن السلطات الإيرانية في أبو موسى تضايق العرب والمغتربين في الجزيرة بشكل روتيني؛ لمحاولة الضغط عليهم للمغادرة.

وهنا يشير كافيرو إلى أن الجزر ذات قيمة استراتيجية لكلا الجانبين نظرًا لموقعها بالقرب من مضيق هرمز، مشيرا إلى أن الحرس الثوري الإيراني استخدم جزيرة أبوموسى، خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)؛ لشن هجمات.

وبحلول عام 1992، بدأ الإيرانيون في جعل وجودهم العسكري في الجزر أكثر ديمومة، وفي ذلك الوقت، سعت أبو ظبي للتعامل مع القضية من خلال إشراك إيران مباشرة في محادثات ثنائية.

وبحلول عام 2006، بدأت الإمارات في اتباع استراتيجية جديدة لتدويل النزاع، من خلال الاستفادة من عزلة إيران النسبية على المسرح الدولي، وحاولت الحصول على دعم أكبر من الدول القوية لتأييد مطالبتها بالجزر الثلاث.

لكن إيران كانت متشددة في مطالبتها بالسيادة المطلقة على الجزر، وفي سبتمبر/أيلول من العام الماضي، قالت وزيرة الدولة الإماراتية للتعاون الدولي، ريم الهاشمي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: "لن نتوانى أبدًا في التعبير عن مطالبنا بهذه الجزر سواء من خلال المفاوضات المباشرة أو من خلال محكمة العدل الدولية".

بكين وموسكو

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أصدرت الصين ومجلس التعاون الخليجي بيانًا مشتركًا دعا إلى تسوية دبلوماسية لهذا النزاع، ما أزعج المسؤولين في طهران الذين اعتبروا البيان بمثابة تحدٍ لوحدة أراضي بلادهم، واستدعت وزارة الخارجية الإيرانية سفير الصين في طهران للتعبير عن "استيائها الشديد".

وفي يوليو/تموز الماضي، أصدرت روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي بيانا مشتركا، دعا أيضًا إلى تسوية نزاع أبو ظبي وجزر طهران من خلال الدبلوماسية، وهي خطوة أسفرت أيضا عن احتجاج إيران مماثل على الرغم من العلاقات الوثيقة بين طهران وموسكو منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

وفي أغسطس/آب الجاري، بدأ الحرس الثوري الإيراني مناورات عسكرية قبالة ساحل أبو موسى، على ما بدا سعيا لإظهار استعداد طهران للدفاع عن سيادتها.

ووفقًا لوسائل الإعلام الحكومية الإيرانية، فقد كشفت البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني عن سفينة قادرة على إطلاق صواريخ يصل مداها إلى 372 ميلًا، وهي مسافة أكبر بكثير من صواريخ الفتح الباليستية الإيرانية وصواريخ غدير المنتشرة بالفعل على الجزر.

وأثارت هذه التدريبات قلق الإماراتيين، الذين يتهم بعضهم طهران بتقويض تحرك المنطقة نحو خفض التصعيد.

وفي السياق، قال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، عبدالخالق عبدالله: "على الإمارات نقل هذا التمرين العسكري الاستفزازي وغير المسؤول إلى مجلس الأمن الدولي (مجلس الأمن الدولي) لأنه يشكل تهديدًا ليس فقط لأمن الخليج، ولكن أيضًا للأمن الدولي".

وأضاف: "هذا هو الوقت المناسب للذهاب إلى مجلس الأمن؛ لأن الإمارات تدرك، مع روسيا والصين، أن على إيران حل هذا النزاع دبلوماسيًا".

دوافع رئيسية

ويرى كافيرو أن إيران لديها 3 دوافع رئيسية لاستعراضها للقوة في قبالة ساحل أبوموسى، أولها تعزيز الولايات المتحدة وجودها العسكري في مضيق هرمز وبالقرب منه، ما يعني أن المناورات الإيرانية ستوجه رسالة إلى واشنطن مفادها أن إيران لن تتعرض للترهيب.

ويتمثل الدافع الثاني في تعرض سياسة الانحياز شرقا، التي ينتهجها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لانتقادات العديد من الإيرانيين الذين يجادلون بأنها "خلقت صورة لإيران التي تعتمد على الصين وروسيا بشكل كبير".

وفي السياق، يرى حميد رضا عزيزي، الخبير بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، أن إيران تريد إرسال رسالة من المناورات مفادها أنها مستعدة للدفاع عن سيادتها وحقوقها الإقليمية على الجزر الثلاث رغم مواقف الصين وروسيا.

أما الدافع الثالث لإيران، فيتمثل في رغبة طهران في توجيه رسالة إلى أبو ظبي وجيرانها العرب مفادها أنه، على الرغم من التقارب الأخير بينهما، والذي يعزوه الخبراء إلى حد كبير إلى حاجة طهران للالتفاف على العقوبات الاقتصادية الغربية وجذب الاستثمارات الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها، فإنها لا تنوي تخفيف موقفها من الجزر.

ورغم التحسن في العلاقات الإماراتية الإيرانية منذ عام 2019، إلا أن توترات أساسية لاتزال باقية في العلاقات الثنائية، وكذلك في علاقات إيران مع السعودية والكويت مثل النزاع على حقل الدرة/أراش للنفط والغاز، وهي التوترات التي ستختبر التقارب الأخير بين طهران ودول مجلس التعاون الخليجي.

ولذا يرى عزيزي أن مناورات إيران "علامة أخرى على أن اتفاقيات التطبيع، بينها وبين دول الخليج، يمكن أن تكون مجرد بداية لعملية طويلة ومعقدة. مشرا إلى أن مصادر الخلافات بين الطرفين معقدة ومتعددة المستويات. ولا يمكن لاتفاق دبلوماسي إزالة هذه القضايا بين عشية وضحاها".

ويخلص كافيرو إلى أن التوترات حول جزر أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى تكشف هشاشة العمليات الدبلوماسية الجارية في الشرق الأوسط، لكن الخبراء لا يتوقعون أن تؤدي مزاعم إيران والإمارات بشأن هذه الجزر أو استعراض القوة الإيراني إلى أي مواجهة مباشرة بين البلدين.

 

الكاتب