قبضة إماراتية حديدية ..من فضاء السجون إلى فضاء الانترنت.. تجريم المعارضة السلمية

قبضة إماراتية حديدية ..من فضاء السجون إلى فضاء الانترنت.. تجريم المعارضة السلمية

تقييد حرية الانترنت والحركة عبر الفضاء الالكتروني ساحة مهمة وحيوية لجهاز أمن الدولة الإماراتي لقمع الناشطين والمدونين بذريعة حماية الأمن القومي، وقانون قمعي فضفاض وبرغم أن اسمه "جرائم تقنية المعلومات" إلا أنه تحول لغطاء حديدي ضد أي انتقادات للسلطة الحاكمة، فهو يجرم السخرية والرسوم الكاريكاتورية وانتقاد المسؤولين، وأي دعوة لحراك سلمي من أي نوع، أضيف للقانون ذريعة أخرى جديدة لحجب المواقع على الانترنت بادعاء أن "محتواها يخالف قيم المجتمع الإمارتي". فيما اعتبره مراقبون بمثابة إغلاق للمنفذ الوحيد الباقي في الإمارات للتعبير عن الرأي.

حجب مواقع على الإنترنت

رصد مركز "الإمارات للدراسات والإعلام" أنه في الوقت الذي زعم فيه الإعلام الإماراتي أن 81% من المواقع المحجوبة على الإنترنت يتعارض محتواها مع قيم المجتمع الإماراتي أكد "الائتلاف العالمي للحقوق والحريات" أن هذه مجرد مزاعم يشدد جهاز أمن الدولة الخناق من خلالها على حرية التعبير، تحت شعار الحفاظ على الحقوق والحريات.

 وبحسب الائتلاف فإن الهدف الحقيقي هو ردع "المهددين للأمن والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي"، ولكن وراء الأكمة ما وراءها إذ أن نشطاء يرون في التعديلات الأخيرة على قانون جرائم تقنية المعلومات مزيداً من الحصار لحرية الرأي والتعبير وتكميم الأفواه."

 وباستمرار المحاكمات بموجب قانون "جرائم تقنية المعلومات" الشعب الإماراتي يرفض أي حظر على "شبكات التواصل"، حيث كشفت دراسة حكومية حديثة أن غالبية الشعب الإماراتي يرفض حظر شبكات التواصل الاجتماعي بدعاوى أمن الدولة.

 وتشير الدراسة إلى أن أغلب الإماراتيين أبدوا معارضتهم لحظر الشبكات الاجتماعية بنسبة ( 78% )، فيما جاءت نسبة (22% ) لتؤيد الحظر على مثل هذه الوسائط، كوسيلة للحفاظ على أمن المجتمعات وسلامة أفرادها.

 كانت قد رصدت هيئة الإمارات لتنظيم قطاع الاتصالات أن 81% من إجمالي البلاغات التي تلقتها منذ بداية العام الجاري، عن المواقع الإلكترونية الضارّة بالمستخدمين، تتعارض مع القيم والأخلاق في المجتمع الإماراتي، بما في ذلك المواقع التي تنشر محتويات التعري، وتتيح المواعدة والتعارف، بحسب ما أوردته صحيفة "الإمارات اليوم".

 وأوضحت الهيئة أن آلية حجب المواقع تعتمد على تلقي بلاغات المستخدمين، سواء بالشكل التقليدي عبر مكاتب الهيئة أو مركز الاتصال، أو عبر موقعها الإلكتروني أو التطبيقات الذكية التابعة لها، وبناء عليه تتم مراجعة المحتوى الرقمي المقدم في حقه البلاغ، وفي حال تم التأكد من مخالفته أياً من البنود المحددة، يتم الإيعاز إلى شركتي تقديم خدمات الاتصالات في الدولة لحجب ظهوره والوصول إليه داخل المجتمع الإماراتي.

جرائم تقنية المعلومات..لأمن النظام

قمة القمع بقوانين فضفاضة، هكذا الحال بالإمارات فقد حذر ناشطون من أن جهاز أمن الدولة يسخر قانون جرائم تقنية المعلومات سيئ الذكر للتضييق على الآراء المعارضة وقمعها وتبرير إخفاء معتقلي الرأي قسريا ولو بسبب تغريدة كما حصل في قصص اعتقال كثيرة

يعد إصدار قوانين هو الأداة الأبرز في تقييد الحريات في الإمارات مبكرا ومنذ صدوره أثار قانون "مكافحة جرائم تقنية المعلومات في الإمارات" قلق وانتقادات المعنيين بالدفاع عن حرية التعبير وحقوق الإنسان، خاصة أنه يجرّم ما يعتبره كثيرون مجرد تعليقات ساخرة أو تبادل للمعلومات أو نكت بريئة.

ضد حرية التعبير والمعارضة السلمية  

بدورها علقت المحامية البريطانية الدولية المتخصصة في قضايا الإنترنت "إميلي تيلور" في تصريح صحفي على القانون بالقول "إن أكثر ما يثير القلق في القانون يتمثل في تجريم "السخرية والرسوم الكاريكاتورية وانتقاد المسؤولين".

وقالت المحامية "تيلور" إن الإمارات "تجرم تبادل المعلومات عبر الانترنت حول استغلال الأطفال أو ما يتعلق بالإرهاب وهو توجه معتمد في مختلف أنحاء العالم بحسبها، لكنها أردفت قائلة "إذا كان اعتماد مسألة الأمن من منظور أمن النظام بدل أمن الأفراد فإن القوانين قد تستخدم من قبل الدولة ضد معارضة سلمية وشرعية".

ويعزز من تفسير "تيلور" حكم صدر بالسجن سنتين ودفع غرامة مالية وصلت إلى 136 ألف دولار على الناشط "وليد الشحي" لأنه شكك في حسابه على موقع تويتر في محاكمة 94 شخصا بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم، الذين يعتقد أن دعوتهم للإصلاح الديموقراطي كانت سبب اعتقالهم.

وقد سبق للاتحاد الأوروبي أن انتقد ما وصفه بـ"التحرش" و"تقييد حرية التعبير" فضلا عن "الحبس غير الشرعي" لنشطاء إماراتيين يطالبون بالديموقراطية.كذلك قد يواجه السجن كل من استعمل الانترنت أو إحدى وسائل تقنية المعلومات في التخطيط أو التنظيم أو الترويج أو الدعوة لمظاهرات أو مسيرات دون ترخيص من السلطة المختصة.

بذريعة الأمن القومي    

وبحسب مركز الإمارات لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة غير حكومية مقرها لندن، فإن القانون الذي تم إقراره في نوفمبر 2012، استخدم من أجل تضييق الخناق على الإماراتيين الذين يتحدون طريقة معاملة النشطاء السياسيين في البلاد.

ولا يتابع بمقتضى القانون النشطاء الإماراتيون فقط، فقد قضت محكمة إماراتية بسجن الأميركي شيزان قاسم بالسجن سنة وغرامة 2700 دولار أميركي والترحيل من البلاد بتهمة نشر فيديو "مدرسة السطوة للفنون القتالية" الساخر على موقع يوتيوب، لكنها أعلنت لاحقا الإفراج عن قاسم الذي وجهت إليه تهمة انتهاك قانون الانترنت وتهديد الأمن القومي الإماراتي.

قائمة طويلة من الممنوعات؟

يتضمن قانون مكافحة جرائم الانترنت مواد توفر الحماية القانونية لما ينشر من معلومات وبيانات شخصية وغيرها. لكنه يجرم من جهة أخرى نشاطات قد لا يدركها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة التي يعبر فيها روادها عن آرائهم بكل حرية.تلك الآراء قد تدخل في ما هو ممنوع، ما يعرض صاحبها لعقوبات مالية وأحيانا السجن.

ومن بين ممنوعات الانترنت في الإمارات: "سب الغير أو إسناد واقعة إليه من شأنها أن تجعله معرضا للعقاب، أو الازدراء من قبل الآخرين باستخدام شبكة معلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات."

وكان شريط فيديو قد ظهر فيه مسؤول إماراتي وهو يعتدي بالضرب على سائق آسيوي في الشارع العام، قد تسبب في اعتقال الشخص الذي صوره ونشره على يوتيوب دون إذن أصحابه، وفق القانون.وقد يدخل السجن كل من قدم إلى أي منظمات أو مؤسسات أو هيئات أو أي كيانات أخرى معلومات تعتبرها السلطة غير صحيحة أو غير دقيقة أو مضللة وكان من شأنها الإضرار بمصالح الدولة أو الإساءة إلى سمعتها أو هيبتها أو مكانتها، باستخدام الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات.

 

تجريم المعارضة الشرعية

حول تداعيات قانون جرائم الانترنت قال المحامي الدولي المتخصص في الدفاع عن حرية التعبير والشفافية "مايكل كارانيكولاس" إن "أكثر ما يثير القلق في القانون الإماراتي هو أنه يسمح بسجن أي شخص يدعو إلى تغيير طريقة تسيير البلاد، مشيرا إلى أن هذا البند لا يجرم المعارضة الشرعية فحسب بل يجرمها بطريقة قاسية"، على حد تعبيره.

وأضاف كارانيكولاس، الذي يشغل أيضا منصب المسؤول القانوني في مركز القانون والديموقراطية، ومقره في كندا، أن القانون مليء بعدة مشاكل تشمل منع كل ما قد يعتبر مهينا للدولة أو مسؤوليها، ومنع الكشف عن مواد دون تصريح، أو نشر أي مواد تعتبرها السلطة غير أخلاقية.

أما منظمة هيومن رايتس ووتش قد قالت إن قانون جرائم الإنترنت في الإمارات "يؤدي إلى إغلاق المنفذ الوحيد الباقي في الإمارات للتعبير عن الرأي "بحرية"، مضيفة أن القرار يهدد حرية النشطاء السلميين والمواطنين الإماراتيين على حد سواء.وأوضحت المنظمة على موقعها الإلكتروني أن الأثر الأساسي للقانون هو التقييد الشديد لحقوق حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع.

كذلك انتقد تقرير وزارة الخارجية الأميركية لحقوق الإنسان لعام 2012 وضع حرية الانترنت في الإمارات وتحدث عن ممارسات تعتمدها السلطات مثل مراقبة مواقع التواصل والدردشة وتجريم اعتماد الانترنت لـ"انتهاك المعايير السياسية والاجتماعية والدينية المتعارف عليها في المجتمع".

حظر الصوت عبر الانترنت      

تقييد بلغ أيضا حظر الصوت عبر الانترنت فقد أكدت الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات في الإمارات في 24 أغسطس 2015 أن "المكالمات الصوتية عبر بروتوكول الإنترنت تعد من الأنشطة المنظمة في الدولة، وأنه يحظر إجراء المكالمات الصوتية عبر هذا البروتوكول إلا من خلال الشركات المرخص لها.ويشمل الحظر برنامج خدمة "سكايب" للاتصال المجاني، وكذلك الاتصالات الهاتفية عبر برنامج "واتساب" وبرنامج "فايبر"، وأي برنامج آخر يعتمد المكالمات الصوتية عبر بروتوكول الإنترنت

 

 

شؤون خليجية

الكاتب