صحيفة فرنسية: هل يمكن لأبوظبي وأنقرة والقاهرة التأثير على المفاوضات السودانية؟
تحت عنوان: “من هم الرعاة الأجانب للحرب الأهلية في السودان؟“، قالت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، إن لدى المعسكرين السودانيين بالفعل رعاة إقليميين أقوياء، لا يدعم أي منهم الأطراف المتحاربة علنا، لكنهم يقدمون دعما ماديا أو دبلوماسيا سريا إلى حد ما.
واعتبرت الصحيفة أنه لا شك أن أبوظبي هي الجهة الخارجية الأكثر مشاركة في الصراع السوداني، حيث تبنت دولة الإمارات قضية الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، القائد العام لقوات الدعم السريع. فهذا الأخير، الذي استولى على مناجم الذهب السودانية ويسيطر على صناعة الذهب المربحة للغاية، يصدر الإنتاج الوطني السوداني عبر الإمارات. من جانبها، استخدمت أبوظبي الآلاف من القوات شبه العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع في الماضي كمرتزقة في حروبها باليمن أو ليبيا، وفق “ليبراسيون”.
“السعي إلى النفوذ الإقليمي”
تنقل “ليبراسيون” عن كليمان ديشايس، الباحث في معهد أبحاث التنمية، قوله: “لدى دولة الإمارات استراتيجية عدوانية للغاية تجاه أفريقيا. إنهم يعتمدون على الجماعات المسلحة غير الحكومية، كما فعلوا في ليبيا (مع قوات الجنرال حفتر) لخدمة أجندتهم. وفي السودان، لديهم بالتأكيد مصالح اقتصادية، لكنها ليست ضخمة. وتسعى أبوظبي بشكل خاص إلى توسيع نفوذها حول البحر الأحمر. ومن خلال دعم قوات الدعم السريع، تقدم الإمارات لنفسها، بأقل تكلفة ممكنة، فرصة للعبة الأمن السياسي المستقبلية في السودان”.
وتتابع الصحيفة الفرنسية التوضيح أن الإمارات تقاتل في جميع أنحاء العالم العربي، جماعةَ الإخوان المسلمين أو المدافعين عن الإسلام السياسي، عدوهم الشرير منذ الثورات العربية عام 2011. وفي ليبيا، على سبيل المثال، يعارض حفتر حكومة طرابلس المدعومة من قبل تركيا، ويستفيد من الأسلحة والمال والطائرات المقاتلة الإماراتية. وفي السودان، تواجه قوات الدعم السريع، الجيشَ النظامي بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي ظل في السلطة منذ الانقلاب الذي وقع في أكتوبر 2021. إلا أن قائد الجيش متهم بالتوصل إلى اتفاق مع القوى الإسلامية التابعة لنظام عمر البشير السابق.
ومع ذلك، تتابع “ليبراسيون” لا ينبغي لنا أن نبالغ في تقدير دور الأيديولوجية في الدعم الإماراتي لحميدتي، كما توضح فتيحة دازي هيني، المتخصصة في شؤون الخليج بمعهد البحوث الاستراتيجية في المدرسة العسكرية (إيرسم). فهو قبل كل شيء، في الحالة السودانية، سعيٌ إلى النفوذ الإقليمي. وتختبر الإمارات قدرتها على التأثير في ميزان القوى بالسودان لصالحها. منذ وصول الأمير محمد بن زايد إلى السلطة، كانت أبوظبي شديدة التدخل. فهو يستثمر بكثافة في بلدان معينة، مثل ليبيا أو اليمن أو السودان، حيث يرى نفسه صانع الملوك. يحاول الإماراتيون إعادة إنتاج النموذج الإيراني القائم على بناء شبكة من الجماعات المسلحة التابعة لطهران، مع الفارق المتمثل في أن روابطهم ليست أيديولوجية، كما هو الحال مع إيران، ولكنها معاملات قائمة على الأعمال.
الواجهة الإنسانية لتسليم الأسلحة
تتابع “ليبراسيون” القول إن أبوظبي تذهب إلى حد ضمان توريد الأسلحة والذخيرة لقوات حميدتي، في انتهاك للحظر الذي فرضه مجلس الأمن الدولي على الخرطوم خلال حرب دارفور. لكن الجيش النظامي التابع للجنرال البرهان ما زال يسيطر على الأجواء السودانية، مما يجعل عمليات التسليم الجوي المباشرة إلى منافسه مستحيلة. وتغلبت الإمارات على هذه الصعوبة اللوجستية بالمرور عبر دول مجاورة. حيث إن الأسلحة تدخل بشكل خاص عبر تشاد، التي تسمح للدولة الخليجية، رغم موقفها الرسمي الحيادي في الصراع السوداني، باستخدام مطار أمغراس، مسقط رأس عائلة ديبي، والقريب من الحدود، لنقل حمولاتها الثمينة. وتزعم نجامينا وأبوظبي أن طائرات الشحن التي تتوقف في أمغراس تقوم فقط بتوصيل المواد الإنسانية، وبحسب ما ورد، فقد تم إنشاء مستشفى ميداني هناك. وهي واجهة تعمل في الواقع على حماية العمليات السرية للإمارات لدعم حميدتي، كما وثقتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تحقيق طويل.
وتساءلت “ليبراسيون”: “لماذا وافقت الحكومة التشادية على هذا التهريب، مخاطرة بزعزعة استقرار منطقة دارفور السودانية المجاورة؟”، مشيرة إلى أن نصف مليون مدني عبروا الحدود بالفعل ويتجمعون في مخيمات اللاجئين. وتقول إنريكا بيكو، محللة شؤون أفريقيا الوسطى في مجموعة الأزمات الدولية: “على الأرجح لأسباب مالية”.
تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة الغنية بنفوذ كبير على تشاد، التي تصنف من بين أفقر البلدان في العالم. في يونيو/ حزيران، وقّعت نجامينا وأبوظبي اتفاقية دفاعية جديدة، أعقبها بسرعة تسليم مركبات عسكرية إلى تشاد. تاريخيا، تتمتع عائلة الرئيس محمد إدريس ديبي بصلات مع الجماعات المتمردة في دارفور (التي تنتمي إلى قبيلة الزغاوة) التي تُعارض قوات الدعم السريع.. “من ناحية، تغض نجامينا الطرف عن شحنات الأسلحة الإماراتية إلى حميدتي؛ ومن ناحية أخرى، فالجنرال ديبي يسمح لعشيرته بمساعدة المتمردين في حماية الزغاوة، كما تقول إنريكا بيكو، معتبرة أنها لعبة محفوفة بالمخاطر، ولكن مع وجود نوع من التوازن.
القوات الخاصة الأوكرانية في الخرطوم
كما يتم أيضا نقل الأسلحة أو المركبات التي تدفع ثمنها أبوظبي عن طريق البر من ليبيا، وذلك بفضل الشركاء المحليين لدولة الإمارات الجنرال حفتر، أو القوات الروسية التابعة لمجموعة فاغنر، تتابع “ليبراسيون”. وتنقل الصحيفة عن مدهين تاديسي، المتخصص في قضايا السلام والأمن في جنوب شرق أفريقيا، قوله: “على جانب القرن الأفريقي، تفضل الإمارات استخدام إثيوبيا كمنصة لكل ما يتعلق بالسودان، بما في ذلك دعم قوات الدعم السريع. ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، مدين لهم لمساعدتهم له في حرب تيغراي. وفي الجنوب الغربي، يستطيع حميدتي أيضا الاعتماد على سلسلة التوريد في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهي الدولة الأفريقية التي تتواجد فيها مجموعة فاغنر الروسية”.
وأوضحت “ليبراسيون” أنه منذ بدء الحرب في السودان، ورغم الشائعات، لم يتم إثبات مشاركة مرتزقة من فاغنر في القتال. ومع ذلك، فإن الروابط بين الكرملين وقوات الدعم السريع مثبتة. فقد كان حميدتي نفسه حاضرا في موسكو ليلة 23 إلى 24 فبراير/ شباط عام 2022 عندما أمر فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا. وقد أدى هذا القرب إلى ظهور تحالف غير مسبوق بين خصمي الرجلين، إذ التقى فولوديمير زيلينسكي وعبد الفتاح البرهان في 23 سبتمبر/ أيلول “بشكل غير متوقع” في أحد المطارات الأيرلندية.
وشاركت القوات الخاصة الأوكرانية بشكل مباشر في عمليات استهدفت قوات الدعم السريع في الخرطوم، كما يتضح من مقطع فيديو لسلسلة مذهلة من الهجمات الانتحارية بطائرات بدون طيار، والتي نُفذت في شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول في العاصمة السودانية. وكشفت صحيفة “كييف بوست” عن فيلم الضربات، الذي يُرجّح أنها حصلت عليه من مصدر عسكري أوكراني.
في الواقع، لا يمتلك جيش زيلينسكي القدرات ولا الرغبة في التأثير على الحرب الأهلية السودانية، لكنه يرسل رسالة مفادها أنه سيطارد المرتزقة الروس في أي مكان بالعالم، تقول “ليبراسيون”،
هل ستعقد قمة قريبا؟
من ناحية أخرى، تتابع “ليبراسيون” تستطيع السلطة العسكرية السودانية، التي يجسدها البرهان، أن تعتمد على دعم حليفتها التقليدية مصر، التي تحتفظ بعلاقات وثيقة وتاريخية مع هيئة الأركان العامة السودانية. ومع ذلك، ظل دعمه متحفظا نسبيا حتى الآن، حيث اكتفى السيسي علنا بالدعم الدبلوماسي للبرهان. كما أن الحرب المستمرة في غزة، على أبواب مصر، وضعت الأزمة السودانية في خلفية أولويات القاهرة، توضح “ليبراسيون”.
وتنقل الصحيفة الفرنسية عن أمجد فريد، المحلل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قوله: “لا أعتقد أن مصر تريد التدخل أكثر من اللازم. إنهم لا يثقون بقيادة البرهان ولا يريدون المواجهة مع الإمارات”. ويتفق معه الباحث كليمان ديشايس، بالقول: “إن الروابط مؤسسية بين النظامين المصري والسوداني، ولكن ما تزال هناك حالة من عدم الثقة. فخلال سنوات، تقارب الجيشان، ونظما مناورات مشتركة وطورا شراكات اقتصادية. كما أن القوات السودانية سلمت أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين المصرية إلى القاهرة في عامي 2019 و2020”.
ومن ناحية أخرى، تضيف “ليبراسيون” سلمت تركيا طائرات مقاتلة بدون طيار للجيش السوداني، وقدمت نفسها كأحد الموردين الرئيسيين له. كما التقى أردوغان والبرهان في أنقرة في سبتمبر/ أيلول الماضي. ويشير مدهين تاديسي إلى أن “مصر ليست مرتاحة لدعم الإسلاميين البرهان، على عكس تركيا التي تتدخل بشكل متزايد”. ومن المفارقة أن أنقرة والقاهرة، اللتين عارضتا بعضهما البعض لسنوات في الحرب في ليبيا، تجدان نفسيهما تدعمان الجانب نفسه في الصراع السوداني.
ويشير الباحث كليمان ديشايز إلى أن “الدعم المقدم من الجهات الأجنبية محدود أكثر بكثير مما هو عليه في ليبيا”. على وجه التحديد لأن هؤلاء الرعاة هم أيضا شركاء اقتصاديون وماليون في مسارح أخرى. وبالتالي فإن المتحاربين لا يخضعون لدعمهم الإقليمي: فهم يستخدمونه ولكنهم لا يستجيبون بالضرورة لأوامرهم.
وقالت “ليبراسيون” إن هؤلاء الرعاة الأجانب للصراع يغذون الحرب، ولكن هل يمكنهم أيضاً التأثير على مفاوضات السلام؟ تتساءل الصحيفة، موضحة أنه ولأول مرة منذ اندلاع الصراع، من المأمول عقد لقاء بين حميدتي والبرهان خلال الأيام المقبلة، برعاية جماعة “إيغاد” لدول شرق أفريقيا.
وقد أرسل الخصمان مبعوثين للمحادثات في الماضي، بما في ذلك إلى جدة بالمملكة العربية السعودية، لإجراء محادثات فشلت باستمرار، لكنهما لم يريا بعضهما البعض شخصيا منذ 15 أبريل/ نيسان. ولم يتم بعد تحديد موعد اللقاء ولا الدولة التي سيتم فيها.