تكريس لبيئة القمع في الإمارات .. مرصد حقوقي يندد بالاحكام "الصادمة" ضد عمال بنغال
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنه يتابع بقلق بالغ الانحدار الشديد المتواصل لحالة حقوق الإنسان في الإمارات وتكريس السلطات الحكومية بيئة من القمع وسحق الحقوق، بما في ذلك حق التجمع السلمي والحق في حرية الرأي والتعبير.
وأبرز الأورومتوسطي إصدار محكمة إماراتية بشكل عاجل ومثير للاستهجان، أحكامًا بالسجن المشدد بحق 57 عاملًا من الجنسية البنغالية ومعاقبتهم لفترات تتراوح بين 10 أعوام إلى السجن المؤبد، وذلك بعد ثلاثة أيام فقط من اعتقالهم دون منحهم الحق في الدفاع عن أنفسهم وضمان أسس المحاكمة العادلة.
وبحسب ما أوردت وكالة الأنباء الرسمية (وام) اليوم الاثنين، قضت محكمة أبوظبي الاتحادية الاستئنافية بإدانة 57 متهمًا من الجنسية البنغالية، في القضية المعروفة إعلامياً بـ "قضية التجمهر"، حيث حكمت المحكمة بالسجن المؤبد لـ 3 متهمين لدعوتهم وتحريضهم على التظاهر بهدف الضغط على حكومة بلادهم، فيما حكمت على 53 آخرين بالسجن 10 سنوات والسجن 11 سنة بحق متهم واحد دخل إلى البلاد بصورة غير قانونية وشارك في التجمهر.
كما قضت المحكمة بإبعاد جميع المحكوم عليهم عن الدولة بعد انقضاء العقوبة وبمصادرة الأجهزة المضبوطة.
وقبل ذلك بيومين، نشرت وكالة (وام)، أن النائب العام المستشار، حمد الشامسي، أمر بإجراء تحقيق فوري مع "المقبوض عليهم من الجنسية البنغالية الذين تجمهروا في عدد من شوارع الدولة بتهمة "ارتكاب جرائم التجمهر في مكان عام والتظاهر ضد حكومة بلادهم، بقصد الشغب ومنع وتعطيل تنفيذ القوانين واللوائح".
وبحسب الوكالة، تضمنت التهم الموجهة إلى هؤلاء العاملين "تعطيل وسائل المواصلات عمدًا، والدعوة إلى التظاهرات والتحريض عليها، وتصوير مقاطع مرئية ومسموعة لتلك الأفعال ونشرها عبر شبكة الإنترنت، وهي أعمال تشكل جرائم تمس أمن الدولة وتخل بالنظام العام".
وأمر النائب العام بإحالة المتهمين إلى محاكمة عاجلة، مهددًا كل من يقيم على أراضي الدولة بأن عدم "الالتزام بقوانينها" و "الانقياد إلى مثل تلك الدعوات والأفعال" تشكل جرائم جسيمة الأثر على المجتمع، وشديدة العقاب على مرتكبيها".
وجرت تظاهرات العمال البنغال في الإمارات في وقت تشهد بلادهم احتجاجات على نظام الحصص في التوظيف بالقطاع العام الذي يخصص ما يصل إلى 30% من الوظائف الحكومية لأقرباء المحاربين القدامى. ولم يحدد بيان النائب العام في الإمارات عدد العاملين البنغاليين المعتقلين بسبب التظاهر.
وفي إفادة عبر الهاتف لفريق الأورومتوسطي، قال عامل بنغالي كان شارك في التظاهرات ونجا من الاعتقال إنهم تبلغوا باعتقال "عشرات العمال على الأقل" خلال التظاهرات التي "خرجت بشكل عفوي وفي عدة مناطق"، مضيفًا أن عددًا قليل ممن تم اعتقالهم تم إطلاق سراحهم، فيما جرى حبس الأغلبية احتياطيًّا على ذمة التحقيقات، دون تقديم أي معلومات لعوائلهم عن أماكن احتجازهم.
وقال المرصد الأورومتوسطي إن أبوظبي تستمر بحرمان المهاجرين المقيمين على أراضيها، والذين يشكلون حوالي 86% من سكان الدولة، غالبيتهم من دول جنوب آسيا، من الحقوق الأساسية ذات العلاقة بالحق في التجمع السلمي والتظاهر وتشكيل النقابات وحق التقاضي بشكل فردي أو جماعي ضد قرارات الاعتقال والترحيل أو حتى الحصول على محام ومترجم.
ونبه إلى أن أبوظبي توظف رزمة قوانين تعسفية تحظر الاحتجاجات السلمية وانتقاد السلطات الحاكمة والأداء العام، باعتبارها نوعًا من الخطابات التي يُعتقد أنها قد تشجع على الاضطرابات الاجتماعية، فضلًا عن تجريم ما تعتبره السلطات أي إساءة إلى الدول الأجنبية أو تعريض العلاقات معها للخطر.
وشدد المرصد على أن السلطات ما تزال تخضع العمال المهاجرين إلى نظام تقييدي واستغلالي يعرف باسم الكفالة، والذي يُسبب انتهاكات عديدة وموثقة، مضيفًا أن الإعلان عن عدة إصلاحات متتالية في ظل استمرار غياب الاعتراف بسلسلة من حقوق العمال، مثل حقوق حرية التنظيم والمفاوضة الجماعية، بالإضافة إلى حقوق النقابات العمالية الأخرى يبقى غير كافٍ ويفتقر إلى التطبيق على الأرض.
في الوقت ذاته، ندد المرصد الأورومتوسطي بدفاع "أنور قرقاش" مستشار الرئيس محمد بن زايد ووزير الشؤون الخارجية سابقًا، عن قرار اعتقال ومحاكمة العمال البنغال باعتباره "جاء ضمن سياق قانوني للحفاظ على نموذجنا وعدم السماح بتصدير مشاكل وقضايا الدول الأخرى إلى مجتمعنا".
وعقب الأورومتوسطي بأن الحق في التظاهر السلمي والتعبير العلني عن الرأي سواء بالاحتجاج أو بطرق أخرى سلمية لا يمكن أن يشكل جريمة، مؤكدًا أن ما جرى مع العمال البنغال لا يمكن وضعه بعيدًا عن صدور أحكام مغلظة مؤخرًا بإدانة 53 مواطنًا إماراتيًّا، بينهم أكاديميون ونشطاء رأي ومدافعون عن حقوق الإنسان، في محاكمة جماعية على خلفية التعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق الأساسية والسياسية في الدولة.
وقال الأورومتوسطي إن تلك الأحكام صدرت في محاكمات سرية شابها غياب أسس المحاكمة العادلة المكفولة بموجب الأعراف والمواثيق والاتفاقيات الدولية، بما في ذلك منع محامي المتهمين من الوصول بحرية إلى ملفات القضايا ووثائق المحكمة، وهدفت على ما يبدو إلى تقويض القدرة على تحضير دفاع قانوني مناسب، وفيما بعد لإدامة احتجاز سجناء الرأي حتى بعد انقضاء مدة محكوميتهم، وذلك في إطار القضية المعروفة باسم "الإمارات 84" والمرتبطة بإطلاق عريضة تطالب بالإصلاحات الدستورية وتداول السلطة في الإمارات قبل أكثر من عقد.
وخلال استضافتها "مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ" (كوب 28)، في ديسمبر 2023، قدمت أبوظبي نحو 84 شخصا على الأقل إلى المحاكمة مجددًا رغم أن غالبيتهم محتجزون تعسفًا بعد إكمال محكوميتهم على ذات التهم والأفعال.
وفي بيان أصدرته بهذا الخصوص يوم 6 يناير، اتهمت محكمة أمن الدولة 84 ناشطا بـ "إنشاء وإدارة منظمة إرهابية سرية، اسمها "لجنة الكرامة والعدالة".
وفي 10 يوليو، أوردت وكالة الأنباء الإماراتية أن محكمة أبوظبي الاتحادية الاستئنافية – دائرة أمن الدولة - أصدرت أحكامًا بإدانة 53 متهمًا من "قيادات وأعضاء تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، وست شركات في القضية رقم 87 لسنة 2023 جزاء أمن الدولة"، وبمعاقبتهم بعقوبات تراوحت بين السجن المؤبد والغرامة البالغ قدرها عشرين مليون درهم (نحو خمسة ونصف مليون دولار أمريكي)
وبحسب الوكالة، حكمت المحكمة على 43 متهمُا بالسجن المؤبد عن جريمة إنشاء وتأسيس وإدارة تنظيم "لجنة العدالة والكرامة الإرهابي بغرض ارتكاب أعمال إرهابية على أرض الدولة وبمعاقبة خمسة متهمين بالسجن لمدة خمسة عشر سنة عن جريمة تعاونهم مع تنظيم دعوة الإصلاح الإرهابي - بحسب زعم الوكالة- ومناصرته في مقالات وتغريدات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي مع علمهم بأغراضه المناهضة للدولة."
كما قضت المحكمة بمعاقبة خمسة متهمين آخرين بالسجن لمدة عشر سنوات وتغريم كل منهم عشرة ملايين درهم (نحو 2.8 ملايين دولار) عن "جرائم غسل الأموال المتحصلة من جرائم انشاء وتأسيس تنظيم إرهابي وتمويله. وعاقبت المحكمة ست شركات والمسؤولين عنها بتغريم كل منها مبلغ عشرين مليون درهم وبحل وإغلاق مقار تلك الشركات ومصادرة أصولها وحقوقها المادية والمعنوية والأموال والعقارات والواجهات المملوكة لها، ومصادرة المواد والأدوات وكافة المتعلقات المضبوطة المتحصلة والمستخدمة في الجرائم المسندة اليها وهي جرائم غسل الأموال الواقعة من جماعة إجرامية منظمة واستخدام متحصلات غسلها في تمويل تنظيم إرهابي."
وأكد المرصد الأورومتوسطي أن لدى دولة الإمارات سجلًا حافلًا في احتجاز الأشخاص على خلفية الرأي والتعبير أو الخلفيات المرتبطة بالحريات، في وقت تمتنع فيه عن التعاطي أو التجاوب مع استفسارات منظمات حقوق الإنسان في القضايا ذات العلاقة.
ونبه الأورومتوسطي إلى أن السلطات الإماراتية -لا سيما جهاز أمن الدولة- تمارس انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بشكل مستمر، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاختفاء القسري، وتقيد حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي، وتحتجز منتقدي الحكومة أو من يتطرقون لقضايا لا تؤيدها السلطات، في ظروف قاسية.
وحث الأورومتوسطي أبوظبي على الإفراج الفوري عن العمال البنغال وإلغاء محاكمتهم، وإنهاء واقع القمع والترهيب الذي تفرضه على المواطنين الإماراتيين والمقيمين الأجانب، فضلًا عن الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان والمعتقلين على خلفية حرية الرأي والتعبير والتوقف عن الملاحقات غير القانونية، انسجامًا مع التزاماتها بموجب الدستور المحلي والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة، وإلغاء كافة التشريعات التي تتعارض قواعد حقوق الإنسان، إلى جانب ضرورة إصلاح منظومة القوانين الجزائية والقضاء بما يضمن عدم استمرار الحقوق والحريات رهينة لأهواء وتفسيرات السلطة التنفيذية.