مخاوف من الحضور الإماراتي في أفغانستان
العلاقات الدولية تبنى على المصالح، ويعد هذا مقبولًا في الإطار الطبيعي، ولكن يلاحظ أن العلاقات الدولية في ضوء اختلاف الأوزان بين أطراف العلاقة يؤدي إلى طغيان طرف على طرف. وبخاصة إذا كانت إحدى الدول لها مشروعها وطموحها في لعب دور على الساحة الدولية والإقليمية، كما هو الحال في واقع الإمارات، التي انتقلت من تبني أدوات القوى الناعمة، عبر المساعدات المادية والخيرية، إلى الأدوات الخشنة، بدعم أطراف داخل بعض الدول التي تعاني من نزاعات داخلية مسلحة كما هو الحال في السودان وليبيا، وكذلك التواجد العسكري المباشر للإمارات في حرب اليمن منذ عام 2015.
وثمة علامات استفهام كثيرة ومتعددة على التحركات الإماراتية على الصعيدين الإقليمي والدولي، بعد توطيد علاقاتها بالكيان الصهيوني، بخاصة بعد اتفاقية التطبيع "اتفاقية أبراهام" التي وقعت بين الطرفين في العام 2020.
في هذا الإطار تأتي خطوة اعلان الإمارات يوم 21 أغسطس/آب 2024، عن قبول أوراق سفير حكومة حركة طالبان الأفغانية لدى أبوظبي، لتكون الدولة الثانية بعد الصين على مستوى العالم التي تقبل بمبعوث من "طالبان" التي تحكم أفغانستان منذ أغسطس 2021.
لكن الجديد في وضع العلاقات الممتدة للإمارات مع أفغانستان، هو ما جد بشأن دورها السياسي، وتوظيف ثروتها المالية في مجال العلاقات الدولية، ولكن الأكثر بروزًا، أن يتم ذلك في ضوء ترتيب مع الكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط.
وحالة التخوف من السبق الإماراتي، من بين دول العالمين العربي والإسلامي، باعتماد سفير لـ"طالبان" لديها، يأتي من نفس سلوك الكيان الصهيوني بعد استقلال ست دول إسلامية وهي أذربيجان، وطاجيكستان، وأوزباكستان، وتركمانستان، وقرغيزستان، وكازاخستان عقب انهيار الاتحاد السوفييتي في العام 1991، حيث سارعت إسرائيل وخلال أيام بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع تلك الدول المستقلة، وهي تجني الآن ثمار تلك الخطوة، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ولعل الحضور الإسرائيلي في أذربيجان خير دليل على تمدد إسرائيل بالعديد من المناطق الواقعة بآسيا وأفريقيا.
منذ بدء الحرب الأفغانية الروسية عام 1979، تدفقت الهجرة من قبل الأفغان لدول عدة، وبخاصة دول الخليج، ومن بينها الإمارات، التي يستقر بها الآن نحو 300 ألف أفغاني، من بينهم أُسر قادة أفغان.
بعض هؤلاء المهاجرين من رجال الأعمال وأصحاب الاستثمارات، بطبيعة المناخ السائد في الإمارات، وتذهب بعض التقديرات إلى أن الصادرات الإماراتية لأفغانستان عام 2022 بلغت نحو 1.2 مليار دولار، كان النصيب الأكبر منها لصالح التبغ، والمجوهرات، ومعدات بث.
وفي وقت سابق حصلت الإمارات على عقد امتياز لإدارة الخدمات الأرضية بمطار كابول الدولي، بعد أن تم استبعاد عروض كل من قطر وتركيا. كما أن الإمارات نجحت في إبرام عقد شراكة مع شركة طيران أفغانية خاصة لإصدار التذاكر بينهما على رحلات كل منهما.
وكانت نشرة "إنتلجنسي" أفادت في 29 مايو 2024، بأن طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني بالإمارات يكثف حضوره الاقتصادي في أفغانستان، ودللت على ذلك بعدة أمور من بينها إبرام اتفاق شركتي الطيران، وكذلك إقامة علاقات قوية مع وزير الداخلية الأفغاني سراج الدين حقاني، الذي يسيطر فصيله على مقتضيات الأمن الداخلي هناك.
وعلى الرغم من تماسك حكومة "طالبان" منذ استلامها السلطة في أفغانستان في أغسطس 2021، وسيطرتها على البلاد، ضد الضغوط الدولية والإقليمية بقبول أجندة لا تتوافق وقناعات الحركة، إلا أن الأيام كفيلة بتمرير الكثير من المشروعات، عبر المال الإماراتي.
والخبرة التاريخية للعديد من الدول العربية والإسلامية، أن علماء الدين أو أبناء الحركات الإسلامية، كانوا عماد الثورات، أو مشروعات التغيير، ولكن ينقض على جهودهم أخرون، ويقومون بتحويل الدفة في إطار مشروعات غربية وأميركية.
ولكن هل ستسمح "طالبان" بتمرير مثل هذه الأجندة، والتي لا يمكن استبعادها من الذهنية الإماراتية، التي مارست العديد من المشاركات، بالإطاحة بحكومات وتفتيت دول، كما حدث في مصر والسودان واليمن؟
هذا ما ستسفر عنه التجربة خلال الأيام القادمة، لنرى أي الفريقين، استطاع أن يدير مصالحه بشكل يحقق مشروعه، فـ"طالبان" في إطار المشروع الإماراتي لن تكون خارج مشروع التبعية الغربي الأميركي، وإذا ما نجحت "طالبان" في توظيف إمكانات الإمارات المالية والاقتصادية دون سيطرة أبوظبي، فسيكون ذلك حالة نجاح في إطار الاستقلال الوطني، ليس هذا فحسب مع الإمارات، ولكن مع الصين كذلك.
تمتلك الإمارات واحداً من أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم، والمملوكة لإمارة أبوظبي، فضلاً عن صناديق سيادية لباقي الإمارات، وتمتلك الإمارات صناديق سيادية بنحو 1.3 تريليون دولار، حسب تقديرات معهد التمويل الدولي.
بينما أفغانستان دولة فقيرة ماليًا في الوقت الحالي، ولكنها تمتلك العديد من المعادن النفيسة، والتي تمثل طلبًا عالميًا في مجالات اقتصادية مختلفة، فضلًا عن موقعها، حيث تماسها مع كل من إيران والصين وباكستان، وبعض الدول الإسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي، وهو ما يجعل للإمارات دورا مهما في هذه المنطقة، إذا نجحت عبر مساراتها المالية والاقتصادية في أن توجه القرار داخل حكومة "طالبان".
وقد يحد من الطموح الإماراتي للإفادة من الأوضاع الاقتصادية والسياسية في أفغانستان، الحضور والتواجد الصيني، والذي له نفس المطامع الإماراتية، فهل سيكون الواقع هو حالة صراع صيني إماراتي على نهب ثروات أفغانستان، أم تقاسم الثمار؟ على أن يبقى للأفغان الفتات من ثرواتهم الكبيرة، والتي ينتظر لها أن تنتشل الأفغان من براثن الفقر.
على الرغم من أن علاقة الإمارات بأفغانستان ممتدة عبر عقود، حتى في ظل حكومة "طالبان" الأولى في مطلع التسعينيات، إلا أن المخاوف تتعلق بأن تكون الإمارات هذه المرة، وفي ظل ممارساتها السلبية في العديد من الأماكن، أن تقوم بما لا تستطيع إسرائيل فعله، فتكون الإمارات بمثابة الوكيل لأطماع تل أبيب في أفغانستان، وتمرير مصالحها مع جيران أفغانستان.
الطريق ممهد أمام الإمارات، في أفغانستان، عبر احتياج كابول لمشروعات كثيرة تتعلق بالبنية الأساسية من طرق ومطارات ومدارس ومستشفيات، وغيرها من متطلبات الحكومة المركزية، واحتياجات المجتمع الذي تعمه البدائية في كثير من مناشط الحياة.
وقد فتحت الإمارات الباب، بنجاحها في الحصول على عقد امتياز يتعلق بإدارة الخدمات الأرضية بمطار كابول. ونحسب أن هذه الخطوة بجانب حرص حكومة أبوظبي والأجهزة الأمنية بها على توطيد علاقاتها مع بعض أركان "طالبان" قد يمكنان لمزيد من الخطوات أمام مشروع الإمارات هناك.
لا تعني السطور السابقة، أن حركة طالبان لقمة سائغة للطامعين في خيرات بلادهم، ولكنها مضطرة لاختراق الحصار الدولي المفروض عليها من قبل الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها، في ظل استجابة كافة الدول العربية والإسلامية للتسلط الأميركي والغربي.
كان من المفترض أن تسارع الدول الإسلامية التي لديها جوار جغرافي مع أفغانستان إلى الاعتراف بحكومة "طالبان" وإذا كنا نقبل بأن الصين قد استقبلت سفير "طالبان" لديها، في إطار صراعها مع أميركا، والبحث عن أوراق ضغط، فإن الجوار الجغرافي للدول الإسلامية، من شأنه أن يعزز تقوية الأوضاع الإقليمية من جوانب مختلفة.
وحتى مؤسسات العمل الإسلامي، الحكومية منها وغير الحكومية، ما زالت تتردد في الدخول إلى أفغانستان، التي ينقصها الكثير من الخدمات، وصور التعاون والمساعدة، التي يمكن أن تقدمها هذه المؤسسات.
يخشى أن تأتي الدول العربية والإسلامية إلى أفغانستان متأخرة، بعد أن تكون قد جنت كل من الصين، والإمارات ومن خلفها إسرائيل، ثمار هذه العلاقة المبكرة، لتعرقل بعد ذلك وجود دور ما، يمكن أن يساهم إيجابيًا في بناء أفغانستان الجديدة.