الإمارات تحصد صفة "الشريك الدفاعي" لأمريكا.. الاعتبارات السياسية والمستقبلية (تحليل خاص)
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي، منح الإمارات صفة الشريك الدفاعي الرئيسي، ما يمنحها حق الوصول إلى أحدث التقنيات العسكرية الأمريكية، مما سيمكنها من تعزيز قدراتها العسكرية. لكنه في الوقت ذاته يثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة العلاقة الجديدة وتأثيرها على السياسة الخارجية الإماراتية التي كانت أكثر موائمة بين الشرق والغرب خلال العقد الماضي.
وعقب اللقاء الذي جمع رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد وبايدن في واشنطن، أكد البيت الأبيض في بيان أن هذا القرار الاستراتيجي سيعزز التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والإمارات والهند بشكل غير مسبوق، من خلال إجراء تدريبات مشتركة ومناورات عسكرية واسعة النطاق، مما يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة.
وقال وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد يوم الجمعة "إن الاعتراف بالدولة كشريك دفاعي رئيسي كان تطورا مرحبا به يعكس الثقة في سياسة الولايات المتحدة". وعانت العلاقات بين أبوظبي وواشنطن من توتر متزايد بسبب الاستجابة الضعيفة للولايات المتحدة لهجوم ميليشيا الحوثي على أبوظبي في يناير2022 وأدى إلى قتلى وجرحى، في أكبر وأول هجوم تعرضت له الدولة منذ عقود.
شريك دفاعي.. أقل من الطموح!
لا توفر هذه الشراكة نفس مستوى الضمانات الأمنية مثل عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو التحالفات المماثلة، لكنها تشير إلى توافق أوثق مع أهداف السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. والتي تزايدت منذ توقيع اتفاقية التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في 2020.
والإمارات هي الدولة الثانية بعد الهند التي تدخل في هذا التصنيف. ولا يعني أن الولايات المتحدة ستدافع عن تلك الدولة في حالة وقوع هجوم. إن هذا الضمان - المنصوص عليه في المادة الخامسة من المعاهدة التأسيسية لمنظمة حلف شمال الأطلسي - يقتصر على الأعضاء الكاملين في التحالف.
ويمنح تصنيف "الشريك الدفاعي الرئيسي" الدولة الحق في الحصول على أحدث التقنيات العسكرية الأمريكية وتسهيل التعاون العسكري المشترك. ولم يقدم البيان أي تفاصيل، إلا أنه في حالة الهند جاء في البيان أن من شأن التصنيف أن يسهل التجارة الدفاعية بين البلدين، إلى جانب تبادل التكنولوجيا بين البلدين إلى مستويات متقاربة من حلفاء وشركاء واشنطن الاستراتيجيين.
لكن ذلك أقل مما تطمح له الإمارات منذ هجوم ميليشيا الحوثيين من اليمن عام 2022، حيث دخلت الدولة في مناقشات جادة مع الولايات المتحدة لتوقيع اتفاقية تتضمن "ضمانات أمنية أمريكية" خلال أكثر من عامين، حيث تتعهد فيها الولايات المتحدة بالدفاع عن الإمارات في حال تعرضت لهجوم مسلح، في اتفاقية شبيهة باتفاقية واشنطن مع طوكيو وسيول في خمسينيات القرن الماضي. وشبيهة باتفاقية الدفاع المشترك بين الإمارات وفرنسا.
واتفاقية "شريك دفاعي" لا تشبه اتفاقية "حليف استراتيجي من خارج الناتو التي أضيفت لها "قطر" عام 2022، وهي الثانية في دول مجلس التعاون الخليجي بعد البحرين، التي تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأميركية. لكن الاتفاقيتين تتفقان في كونها لا تلزم واشنطن بالدفاع في حال الحرب، لكنه يمنح قطر المزيد من الهيبة الدبلوماسية والوصول إلى التكنولوجيا وأنظمة الأمن والتدريب من قبل قوات الدفاع الأمريكية التي لم تكن متاحة لها من قبل.
دوافع أبوظبي وواشنطن
مع ذلك فإن صفة "شريك دفاعي رئيسي" هو اعتراف بأهمية الإمارات في التأثير على الاستقرار الإقليمي، بانخراطها في معظم أزماته من اليمن إلى التطبيع مع الاحتلال، بغض النظر كان سلباً أو إيجاباً. والاعتراف بالدولة كقوة وسطى في المنطقة، حيث تتمتع الإمارات بقوة اقتصادية وعسكرية متوسطة المدى، مما يسمح لها بمتابعة أهداف مستقلة للسياسة الخارجية، تتوافق مع أهداف السياسة الأمريكية بما في ذلك دعم إسرائيل، والبحر الأحمر، وإيران.
ومن شأن هذه الاتفاقية أن تزيد من تسليح الإمارات ووصولها إلى تقنيات جديدة، بما في ذلك طائرات دون طيار(MQ-9 Reaper) ومن عام 1950 إلى عام 2022، باعت الولايات المتحدة أسلحة للإمارات بقيمة 29 مليار دولار، مما يجعلها عاشر أكبر عميل للمبيعات العسكرية الأجنبية الأمريكية من حيث القيمة في جميع أنحاء العالم. في عام 2023، كانت الإمارات العربية المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في السلع من حيث القيمة (31 مليار دولار) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (بعد إسرائيل). -حسب تقرير للكونجرس نشر في أغسطس2024. كما يزيد من حصول الإمارات على التدريب العسكري والأمني الأمريكي.
أما دوافع الولايات المتحدة، فإن هذه الاتفاقية تأتي رغم التحفظات الأمريكية على سياسة أبوظبي في السودان، وقلق واشنطن بشأن علاقة الإمارات الدافئة مع الصين وروسيا. لكن مع ذلك فإن البيت الأبيض يريد إرسال رسالة للبلدان العربية بأن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي يمنح مكافأة الحصول على الامتيازات العسكرية والأمنية. حيث تجاوزت أبوظبي، بمسافة شاسعة، الدول العربية التي سبقتها في التطبيع (مصر والأردن)، في تعميق التعاون والانصهار مع الاحتلال الإسرائيلي.
تأثير الاتفاق على العلاقات الإماراتية-الأمريكية
خلال عهد إدارة بايدن، كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة متوترة في البداية؛ ومع ذلك تحسنت العلاقات منذ مطلع العام الجاري مع التزام أبوظبي بالعلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي رغم جرائم الإبادة الجماعية الوحشية في قطاع غزة، وتحسين السمعة لحكومة بنيامين نتنياهو وواشنطن في هذه الحرب من خلال الشراكة في المساعدات الإنسانية.
- تعاون عسكري: يمكن أن يعمل التصنيف على تبسيط عملية حصول دولة الإمارات العربية المتحدة على تكنولوجيا الدفاع الأمريكية، بما في ذلك ربما أنظمة الدفاع الصاروخي المتقدمة أو المزيد من الترقيات للأنظمة الحالية مثل باتريوت. وخلال الحوار العسكري المشترك السنوي بين الدولتين في أبريل الماضي، أشار البنتاغون إلى أن المناقشات الثنائية ركزت على الدفاع الجوي الإقليمي المتكامل الذي يضم إسرائيل ودول أخرى في المنطقة. كما وقع الجانبان على خطة تنفيذ برنامج أمن التكنولوجيا التعاوني (CTSP) لتنفيذ أفضل الممارسات في مجال أمن التكنولوجيا وتبادل البيانات. ما يعني زيادة الانخراط الإماراتي العسكري مع الولايات المتحدة في معظم ملفات المنطقة.
- الآثار المترتبة على العلاقات مع الصين وروسيا: في حين تتعزز الشراكة مع الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا، والقوة العسكرية، فإن أبوظبي خلال العقد الماضي انتهجت "التوازن الاستراتيجية" بين الشرق والغرب، حيث حافظت على العلاقات الاقتصادية والدفاعية مع بكين وموسكو. وهو ما كان مصدراً للتوتر بين الإمارات والولايات المتحدة. حيث أوقفت إدارة بايدن بيع طائرات F-35 للإمارات بسبب المخاوف بشأن العلاقات بين الدولة والصين. وعلقت صفقات أسلحة وتعاون تكنولوجي بسبب المخاوف من قاعدة عسكرية صينية في أبوظبي. كما تحولت العلاقة الإماراتية الروسية، المتواضعة تاريخياً، إلى شراكة استراتيجية عميقة على مدى العقد الماضي. فهل تتخلى الإمارات عن استراتيجية الارتباط المزدوج حيث تسعى الاستفادة من التكنولوجيا الغربية والتجارة الشرقية دون الانحياز الكامل ضد أي قوة، أم قِبلت الولايات المتحدة بالوضع الجديد؟!
- الاعتبارات المستقبلية: قد تؤدي الشراكة إلى زيادة التدقيق في كيفية استخدام الإمارات لقدراتها الجديدة، وخاصة فيما يتعلق بالصراعات مثل اليمن أو المناوشات الإقليمية الأخرى. كما أنها تضع أبوظبي في وضع إيجابي لأي مبيعات دفاعية مستقبلية أو تعاون، مما قد يؤثر على توازن القوى في الشرق الأوسط وهو ما قد يثير سخط إيران وربما المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، إلى جانب الدول المتضررة من تدخلات أبوظبي في شؤونها الداخلية.
مزيد من العزلة؟
حتى الآن لا يُعرف الكثير من تفاصيل الاتفاقية، لكن على عكس الهند الدولة الثانية في اتفاقية "شريك الدفاع الاستراتيجي" -القوة النووية والاقتصادية والعسكرية- التي يمكن اعتبارها قوة عظمى ناشئة تنافس الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة، فإن الإمارات أقل قوة عسكرياً واقتصادياً لاعتبارات جيوسياسية.
ونيودلهي جزء من استراتيجية واشنطن لاستغلال موقعها الجيوسياسي الاستراتيجي، القريب من مناطق نفوذ روسيا والصين، لبناء شراكة دفاعية تعزز مصالحها المشتركة في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وإذا ما حدث ذلك في حالة الإمارات فإن مخاطر شعور دول الجوار بالقلق من أبوظبي يزيدها عزلة عن محيطها، وانغلاق سياساتها عن سياسات الإجماع العربي. في الوقت ذاته لا تعني الاتفاقية الجديدة دفاع مشترك بين الدولتين، كما أن انحياز الإمارات لأحد المعسكرين الشرقي أو الغربي يجعلها وسط توتر دولي هي في غنى عنه.
قد تمنح هذه الاتفاقية امتيازات عسكرية وتكنولوجية من الولايات المتحدة، لكن هل هذا الوقت المناسب للوصول إليها- والتي تمثل أقل من طموح الإمارات باتفاقية "أمنية شاملة وملزمة"- حيث تؤكد أن أبوظبي تتطابق وأهداف السياسة الخارجية الأمريكية العسكرية في ظل الغضب المتزايد، والتوتر من الانجراف إلى حرب إقليمية شاملة بسبب سياسات واشنطن وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، وتصاعد للتوتر بين المعسكرين الشرقي والغربي فيما يشبه الحرب الباردة؟!
المسؤولون الإماراتيون معنيون بالإجابة عن هذه الأسئلة، في وقت نسمع أجراس الخطر تدق مستقبل الإمارات القريب.